كل يوم يمر نتأكد أكثر وتثبت لنا الأحداث أكثر فأكثر أن الشعب الفلسطيني هو شعب الجبارين كما كان يصفه الزعيم التاريخي ياسر عرفات.. هذا الشعب يذكرني دومًا بمقولة الشاعر الفرنسي دي موسيه “لا شيء يجعلنا عظماء سوى ألم عظيم”. الشعب الفلسطيني يُولد في المعاناة، ويشب ويشيخ في المعاناة، فتجد الأطفال ليسوا ككل الأطفال، وتجد النساء والرجال غير كل النساء والرجال، وتجد تجسيدًا حقيقيًا للكثير من المفاهيم مثل التضحية والشهادة والوطنية والتشبث بالأرض.
هذه الأطنان من القنابل التي أُلقيت على غزة، وهذا الجحيم الذي فُتح لعام ونصف كان كفيلًا بقتل الحياة بكل أشكالها، ومن لم يمت بالقنابل ومن لم يُقتل تحت الركام لابد أن يموت من الرعب! لكن ها هم الفلسطينيون بكل أوصافهم لم ينكسروا، ها هم يعودون إلى بيوتهم التي دمرتها القنابل الظالمة رافعين رؤوسهم في مواكب منتصرة، رغم كل هذا العدد من الشهداء ورغم كل هذا الدمار لم يهدهم الحزن ولم يفقدوا القدرة على الفرحة والاحتفال بلحظة تاريخية في التاريخ الفلسطيني الذي كله محنة وكله معاناة. هذه المشاهد الثرية بالمعاني الإنسانية التي لا توصف تجعلك تترك كل ما حدث وتترك اتفاق وقف إطلاق النار والذين صنعوه والذين انتقدوه والذين رحبوا به، وتقرأ بعينيك وبكل حواسك قصائد وقصص المعاناة والصمود المرسومة على وجوه الفلسطينيين العائدين إلى بيوتهم بعد سريان الاتفاق.
قال المذيع لإحدى النساء العائدات من سجون الاحتلال: ما هو شعوركم الآن؟ فقالت دون ثانية من التفكير “شعورنا هو الحمد لله الذي أحيانا بعد إذ أماتنا وإليه النشور”.
فقال المذيع: كيف حال السجن؟ فقالت سريعًا: هو سجن، ولم تقل شيئًا آخر؛ لأن أسوأ شيء وأسوأ وضع يكون فيه الإنسان هو السجن! فيا لفصاحة الفلسطينيات وبطولة الفلسطينيات!
ويا له من شعب لا ينكسر أبدًا، يقع ويقوم أقوى مما كان، ويتحول من أهوال الحرب إلى أفراح العودة إلى البيوت التي لم يبقَ منها سوى أطلال.
كاتبة وأكاديمية بحرينية