العدد 5897
الجمعة 06 ديسمبر 2024
الناس في حياتنا
الجمعة 06 ديسمبر 2024

نحن لا نحتاج إلى الناس، بل إننا مكتفون بأنفسنا، نحن السند لنا إن مال بنا الزمان، ونحن من يعرفنا حق المعرفة. الناس لا تجيد سوى الفتوى في مصائرنا وكيف يتوجّب علينا أن نتصرّف، وهم لا يدركون كنه شعورنا، ولا كيف نفكر، وما هو الصالح وغير المناسب لنا. إن استفتيناهم في أمورنا مارسوا علينا دور المصلح، وإن جئناهم مستنجدين أداروا ظهورهم لنا، وإن كنا مفتقرين ما أعانونا، وإن أعانونا أعطونا قليلًا ومنّوا علينًا طويلًا. نحن خير معين لنفوسنا المريضة، وأجسادنا المنهكة، وجيوبنا الفارغة إن تحلينا بالإيمان ولجأنا إلى الله لا للناس.

بيد أن الإنسان مخلوق اجتماعي بامتياز، وهو لا يجيد العيش وحده بمعزل عن الجماعة، وإن توفرت له كل سبل العيش والحياة الهانئة؛ فالروح تحب الأرواح، وكلمة “أنس” اشتقت من “الإنسان” الذي يأنس بالناس ويتعايش معهم، فيتبادل معهم الأفكار والثقافات والعادات والمعتقدات. هذا التبادل الذي يسهم في بناء شخصية المرء؛ فينتج فردًا فاعلًا، منتجًا، نافعًا يساهم في بناء المجتمعات وازدهارها، ويضحي بنفسه في سبيل الأوطان والدفاع عن حياضها. نعم، نحن محتاجون للناس؛ فنحن نشكّل حبات متراصة في عقد لا يجب أن ينفرط، وإلا انفرطت الأمة وتبدّد شمل الجماعة وضعفت الشوكة وهان تسلط الخصوم عليها. لكننا نحيا بزمن بات فيه الاختلاط بالناس مؤذيًا، والتعامل معهم مشوبًا بالحذر، فبتنا ننتقي تصرفاتنا، ونحسب للكلمة التي تخرج من أفواهنا ألف حساب درءًا للمشكلات وتحسبًا لسوء الفهم المفضي للقطيعة. بتنا وبسبب هذا كله، نتقوقع على أنفسنا، وننغلق على ذواتنا لتصغر دائرة معارفنا من الناس، ولتضيق في حدود المجتمع الصغير، بل والأسرة الصغيرة التي ننتمي إليها.

في حياة تزدحم بالمسؤوليات والانشغالات ويشتد فيها أوار الغيرة والحسد وعدم التماس الأعذار، وتحسس ظروف ومشاعر الآخرين، وسياسة الكيل بمكيالين في التعامل بين الناس، وتجاهل نداءات الاستغاثة خوفًا من بذل الجهد والمال، بات الاكتفاء بالنفس مفروضًا وإن خالف الرضا والقبول.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .