القول بحتمية التحول الديمقراطي لا خلاف عليه من حيث المبدأ، إلا أن الديمقراطية صيرورة تاريخية وليست قفزة خارج الزمن. ومن هنا وجب التأكيد على الآتي: إذا كان تحقيق الديمقراطية في الغرب قد استغرق عدة قرون، فهذا لا يعني أن تحقيقها عربيًّا يجب أن يستغرق زمنًا طويلًا، خصوصًا في ظل التحوّلات الدولية والإقليمية وما تحمله من انعكاسات ومخاطر، واستحقاقات الداخل وتطلعاته المشروعة. لكن من الطبيعي أن يكون ذلك بالتوازي مع نشر الثقافة الديمقراطية ووضع أطرها التنظيمية، وتحرير الفرد من سلطان الطائفية والعشائرية والعرقية والمناطقية التي تعيق التحول، مع القناعة بأن تحقيق التحول الديمقراطي يجب أن يكون بحسب أوضاع كل مجتمع، تجنبًا للهزات التي تعيد المجتمعات إلى المربع الأول أو إلى ما هو أسوأ منه.
الديمقراطية ليست مجرد فعل إرادي لحظوي أو صناديق اقتراع يحتكم إليها الناخبون فحسب، بل هي قناعات وضوابط وضمانات، فالصناديق لا يجب أن تسمح للفائزين بضرب الحرية وإعادة إنتاج الاستبداد، فالحزبان الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا وصلا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ومع ذلك انقلبا على الحرية ودمّرا بلديهما والعالم. ولدينا في البلاد العربية مؤشرات مقلقة حول استبداد جماعات لا تحتمل الحرية ولا تقبل مدنية الدولة، وتشكل عقبة كبيرة أمام تحرير الإنسان والمجتمع من التشابك بين الدين والسياسة أو استغلال الدين في السياسة، لذلك فالفصل بينهما استحقاق لابد منه.
التوافق في المجتمعات العربية ضروري ضرورة الديمقراطية نفسها. التوافق حول مشروع مجتمعي سياسي مدني. ولكن ليس من الواضح حاليًّا ما إذا كان الأفق الديمقراطي العربي مفتوحًا على ما يتيح تحقيق ذلك.
وتبقى ملاحظتان نختم بهما:
الأولى: أن التواطؤ مع الأجنبي من أجل تحقيق ديمقراطية ما، لا يمكن أن يسهم في بنائها، فما ينتجه التواطؤ لا شرعية له، بل هو أخطر على المجتمعات من الاستبداد نفسه.
الثانية: أهمية تجاوز الاعتقاد السائد لدى البعض بأن الديمقراطية تتحقق بمجرد وصولهم للسلطة أو تقاسمها مع آخرين، حيث أكدت التجارب عدم جدوى هذا النوع من التلفيق الديمقراطي المنتهي بالخيبة.
كاتب وإعلامي بحريني