هل يمكن الانطلاق من حالة غياب كامل للديمقراطية إلى ديمقراطية ناجزة دفعة واحدة؟ يجيبنا البعض بنعم، وآخرون بلا. ويقدم لنا مؤلفا كتاب “تجارب التحول إلى الديمقراطية” سيرجو بيطار وإبراهام لوينثال.. إجابتين مختلفتين: الأولى: تقول نعم وتقدم أمثلة عن تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة (جنوب أفريقيا والأرجنتين وبولندا..)، والثانية أن “التحول إلى الديمقراطية عملية معقدة وطويلة الأمد، وليست سهلة أو سريعة”، ويذكر المؤلفان خيبة الشباب العربي الذين ملأوا الميادين خلال فترة ما سمي بالربيع العربي، بعد أن أدركوا أن تحقيق الديمقراطية مسألة أعمق بكثير مما تصوروا.
والحقيقة أن المسألة الديمقراطية في العالم العربي معضلة مركبة من عدة عناصر، من الصعب تجاوزها في مجتمعات تغيب فيها حرية الرأي والإبداع، وتقاليد الاختلاف والتسامح.. إضافة إلى الخوف من الديمقراطية ونتائجها المحتملة على السلم الأهلي والاستقرار. وتأتي أخطاء المنظرين الذين يسقطون منظور الديمقراطية الغربية على الواقع العربي في المركز كمشكلة أخرى، وهو منظور لا يأخذ بالاعتبار خصوصية العلاقة بين السياسة والدين وجدلية المراحل في بناء الديمقراطية وهشاشة التجارب في الحقل السياسي العربي، وتردد المثقفين أمام الانخراط في جبهات التحديث الاجتماعي والسياسي، كما يأتي الاعتقاد بإمكانية إنجاز الديمقراطية دفعة واحدة ليزيد الأمر تعقيدا، والأمثلة في الواقع العربي تؤكد ذلك، لأن الديمقراطية بناء تدريجي لا علاقة له بموضوع الصراع على السلطة فقط، بل بعلاقته بنشر القيم الديمقراطية بكل مكوناتها وفي جميع المجالات.
ويضاف إلى ما تقدم النتائج السلبية الناجمة عن المواجهات الطويلة بين المعارضة والأنظمة وآثارها السلبية لتزيد من تعقيد الموضوع، إذ أدت تلكم المواجهات إلى تقليص المجال السياسي إلى حد الانعدام، فالمعارضة فرض عليها العمل السري لسنوات طويلة، ولما انتهى ذلك، كان الرصيد السياسي للسلطة والمعارضة معاً في مستواه الأدنى، ما جعل مهمة التحول الديمقراطي معقدة وتحتاج إلى صبر وأناة، للوصول (إلى الوسط السعيد) الذي تجتمع حوله القوى السياسية بمختلف توجهاتها. لذلك سريعًا ما يعود الصراع إلى مربعه الأول، وتضطر السلطات العربية إلى التراجع والمعارضات إلى العودة إلى الممارسات السابقة. وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني