العدد 5875
الخميس 14 نوفمبر 2024
banner
الثقافة لأنسنة السياسة.. حتى لا تكون الديمقراطية معلقة في سماء المثال
الخميس 14 نوفمبر 2024

 الأنسنة التي نقصدها هي التي تجعل الإنسان محور كل شيء تقريبًا، وتأتي الحرية والديمقراطية في قلب هذه الأنسنة، ولا نقصد هنا ما ذهب إليه ميشيل فوكو في فكرته حول (موت الإنسان)، والتي ألغى من خلالها الكائن الإنساني وجعله خاضعًا لمنظومة لغوية أو أسطورية، إنما نقصد المعنى الإيجابي للأنسنة الأقرب إلى روح الإسلام باعتبار إنسانية الإنسان وطبيعته واحتياجاته أصل البيان والتأويل والتفكير والتنزيل لمجمل القضايا، ضمن مقاصد إسعاد الإنسان وتحريره من أجل إحياء القيم الإنسانية التي جرى تعطيلها بالتعصب والتكفير والممارسات العنيفة لجماعات الإسلام السياسي.
ويأتي حديثنا عن دور الثقافة وتأثيرها في السياسة، بمعنى توجيهها لخدمة الإنسان وكرامته وسعادته، حيث تتبوأ الديمقراطية مركزًا باعتبارها أسلوبًا للحكم وممارسة لا تنفصلُ عن فكرٍ يقودها وتستنيرُ به، وتتغلغلُ في النسيج الاجتماعي حتى لا تكون الديمقراطيةُ قرارًا معلقًا في سماءِ المثالِ، بل سلوكًا ناتجًا عن وعيٍّ وحاجة لشروط العيش المشترك. ولذلك فإن صياغة البرنامج الديمقراطي لثقافتنا، موكولة للمثقفين، ما يستدعي مشاركتهم الواسعة، دون أن يعنيَ ذلك سيادةَ الثقافيِّ على السياسيِّ، بل اعتبار “السياسيّ” للثقافي طاقةَ توجيهٍ وخلق وقوة اقتراح، تقطعُ مع النّفعيةِ كممارسة شوهت الحياة الثقافية، وأعاقت تطورها، وحرمتنا من فرصة بروز قامات إبداعية، تجسِّد حضورنا الثّقافي وتطورنا السياسي، وتكون طاقة تسهم في أنسنة الحياة السياسية بعيدًا عن العنف والتعصب والتوحش والاجتثاث. “المقال كاملًا في الموقع الإلكتروني”.


والمقصود هنا المشاركة الحيّة في مناقشة القضايا المصيرية، ومستقبل الحياة السياسية وسبل تطويرها واستيعاب خلافاتنا واختلافاتنا عبر الحوار، والتشجيع على المراجعات الفكرية والسياسية، للوصول إلى الوسط السعيد الذي يمكن أن ينقذنا من تطرف أنفسنا وانحيازاتنا. وهذا أمر إذا ما قاده الفكر الحيّ، يمكن أن ينتقل أثره سريعًا إلى الحياة السياسية والاجتماعية بيسر.
إننا اليوم بحاجة إلى استعادة تلك الثّقة في الحياةِ السياسيةِ، وتصحيحِ مساراتِها، وعلاجِ عللها، وإعادةِ صياغة الفكر الذي يقودها. وتخليص الممارسة مما علقَ بها من أخطاء، والعمل على توسيع الفضاء السياسي الذي يحتويها، من أجل الحدِّ من العزوف ولسدِّ الطَّريقِ أمام فاقدي الأهلية والمهرجين، وما أكثرهم.

 كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية