العدد 5868
الخميس 07 نوفمبر 2024
الهمجية في طريق مفتوح (1)
الخميس 07 نوفمبر 2024

القوى الحية في العالم ترفع أصواتها ضد الهمجية الدولية الجديدة، والتي أصبحت فيها الإبادة الجماعية وقلب الأنظمة والسيطرة على مصائر الأمم والشعوب عملًا إنسانيًّا للدفاع عن النفس! النظام العالمي الجديد مختل سياسيًّا وأخلاقيًّا، يبدو كرجعة مدهشة إلى عصر (الغاب)، إلى ما قبل عصر الصناعة والزراعة، إلى ما قبل ظهور الديمقراطيات والمؤسسات، وحركات التحرر، والمد الحقوقي الذي اقتتلت من أجله ولأجله الأقليات والفئات والطبقات والشعوب المضطهدة قبل ظهور القوانين الحديثة والدبلوماسية والبروتوكولات والمواثيق المنظمة لذلك.

لقد أسست الولايات المتحدة وبريطانيا بعدوانهما على العراق لمنطق جديد أنهى ما بقي من النظام الدولي القديم الذي يعتمد على القانون الدولي كمرجعية أساسية لسلوك الدول الكبرى والصغرى على حد سواء، وهذا المنطق ليس جديدًا إلا في استدعائه من عصر الغاب الذي تكون الغلبة فيه للقوي، بحيث يحل منطق القوة بديلًا عن قوة المنطق. وهو كوكتيل من الإجراءات التي سادت في نهاية الدولة الأثينية، ونهاية الدولة الرومانية، ونهاية الدولة الأموية والعباسية. لقطات مستعارة من نيرون، وكاليغولا، وهولاكو، وتيمور لنك وقراقوش. هذا إذا تسامحنا مع نظام البربرية الجديدة، وربطناه بحضارات لامعة قليلًا أو كثيرًا، لأن المفروض حتى نقترب من الدقة أن ننبش أكثر في حفريات ما قبل (الحضارة)، ما قبل اللغة والكتابة والمدنية، ما قبل اختراع العجلة واعتناق الأديان التوحيدية.. ما قبل الفكرة البديلة عن الناب والظفر والبندقية

ما قبل استبدال الكهف بالبيت والمحاكاة بالتجريد. نظرة على تاريخ الحروب في الألفي سنة الماضية ترجعنا إلى أن أسبابها كانت تتراوح بين طموح إلى نشر معتقد، أو احتلال أراض خصبة، أو ثأر لكرامة مهدورة، أو بحث عن مجال لتسويق منتج، أو دفع لخطر متوقع.. لكن في أغلب هذه الحالات كانت هناك أخلاقيات. حتى في أفتك الحروب كانت هناك أخلاقية. هتلر استثنى سويسرا المحايدة والفاتيكان.. أما حروب النظام الدولي الجديد فهيمن دون أخلاق، لأنها من أجل الاستحواذ على ثروة بالمجان.. أو السمسرة على مصالح ضيقة تستعمل فيها أسوأ وسائل الإبادة وكل الطرق المحرمة من التجويع إلى التعطيش إلى ضرب المستشفيات وسيارات الإسعاف وتدمير المدن والقرى والمتاحف ودور العبادة وقتل الأطفال في المدارس وتحت المخيمات.. وللحديث صلة.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .