تتزايد أهمية الثقافة ودورها في العالم، باعتبارها القوة الناعمة التي تفوق في أهميتها جميع أنواع الأسلحة، سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الخارجي، فدورها الوطني يتركز على بناء وتعزيز هوية المجتمع الوجودية المرتبطة بالشرعية الاجتماعية باعتبارها كيانًا وكتلة متجانسة متماسكة وصلبة تشد عراها عناصر محورية هي الإنسان والتاريخ والمكان الراسخ والثوابت القيمية الضاربة في أعماق الذاكرة الجماعية، بما يؤدي إلى تطوير قدرة الإنسان على الإبداع، وتنمية وعيه لمواجهة أعاصير التغيير الكاسحة.
وبهذا الاعتبار فإن الثقافة تشكّل محور القُوَّة الناعمة للمجتمع، ولذلك يجب إيلاؤها أهمية مركزية، وتوفير مقومات الدعم لتتمكّن من أداء دورها لتحقيق الأهداف والرؤى الوطنية المتسقة مع أهداف الدولة والمجتمع والمؤسسة لقوتهما ووحدتهما. ولن يتحقق ذلك من دون وجود فضاء ثقافي وطني منفتح وأصيل، ومن دون فتح آفاق للثقافة وتمويلها، بما يمكنها من تعزيز وحماية الهوية، والنسيج الاجتماعي، فتجعل من التنوع مصدر ثراء وقوة، في ظل التحولات المؤثرة في الأجيال الجديدة والهجمات الممنهجة على منظومة القيم. خصوصًا أن التاريخ الثقافي المشترك لمجتمعاتنا غني بعناصر القوة والتأثير والمقاومة والانفتاح في ذات الوقت، يعززه تاريخ اجتماعي جامع، نسجه الكفاح المشترك الذي جمع الناس عبر السنين حول بناء مجتمعهم ودولتهم الوطنية، ما يدعو إلى التمسك بعناصر القوة والتحرر من عناصر الضعف والعمل على التأثير الفعّال على العقول والقلوب عبر الأفكار الحية والإبداع الأدبي والفني والعلمي.
وهذا يقتضي توحيد الرؤية المؤطّرة للعمل الثقافي، واستثمار التجربة الثقافية الوطنية في التنوع والتسامح والتضامن، وما فيها من جوانب الوحدة والتنوع، وتعزيز الرباط الاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار مقتضيات التحولات العالمية وما تتطلبه من المرونة والتواصل والمبادرة والقدرة على المنافسة، حتى تكون الثقافة ضرورة حياتية، ومشروعًا وطنيًّا وإنسانيًّا، وتتحوّل الأنشطة الثقافية إلى جزء حي من الواقع، يقودها وينشطها مثقفون من أدباء ونقاد ومفكرين ومسرحيين وكتاب يؤمنون بوحدة المجتمع ويعتزون بهويته الجامعة. ويعضد كل ذلك جهد إعلامي يعكس الواقع الثقافي الذي هو نتاج البنيتين الاجتماعية والسياسية، وخلق التناغم بين الإعلام والثقافة والتربية وسائر مؤسسات القوة الناعمة، بما يثبت الرؤية ويعزّز الممارسة.