العدد 5889
الخميس 28 نوفمبر 2024
معضلة التحول الديمقراطي العربي (3)
الخميس 28 نوفمبر 2024

 إذا ما تجاوزنا تفاصيل مفهوم الديمقراطية في منابتها الفكرية الغربية، يمكننا اختزال أبرز عناصرها اللصيقة بماهيتها، في: الحريات العامة والخاصة، التعددية والمشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة.. وجميعها تشكّل نسقًا مركبًا مترابط العناصر، فلا قيمة مثلًا لجانب من دون بقية المقومات المؤسسة للحياة الديمقراطية.
 فالحرية في أفقها الإنساني الواسع تشمل بالضرورة حرية المعتقد وحرية الرأي والحريات العامة والخاصة في إطار القوانين المرعية في كل بلد. والمشاركة السياسية في صنع القرار الوطني، مهما كان حجم القوى السياسية عدديًّا، وهذا لن يتسنّى إلا بوجود القنوات القانونية التي تضمن هذه المشاركة التي تتحدّد فيها حقوق وواجبات المواطن. مع ضرورة وجود المؤسسات التي تؤهل هذا المواطن للمشاركة في منظورها الوطني المفتوح. ومن المهم هنا أن نذكر بأن أغلب قوانين الأحزاب في الدول الديمقراطية المتقدمة أكدت بطلان قيام أي حزب سياسي مبني على أساس ديني أو فئوي أو عرقي. القناعة بأن عملية بناء الديمقراطية هي بالضرورة عملية تدريجية طويلة المدى والنفس، تتضافر فيها جهود الجميع، ولذلك تستغرق وقتًا قد يطول وقد يقصر بحسب أحوال المجتمع. فبناء الديمقراطية في الغرب استغرق عدة قرون وواجه خلالها العديد من الهزات والأزمات. فمن الطبيعي أن نتفهّم أن الديمقراطية بطبيعتها عملية ممتدة ويجب القبول بالتدرج فيها بالتوازي مع نشر الثقافة الديمقراطية، فمن المستحيل بناء نظام ديمقراطي بين عشية وضحاها. لذلك على القوى السياسية أن تتفهّم ضرورة اعتماد النهج التدريجي في تحقيق البناء الديمقراطي. 

وأهمية تجاوز الاعتقاد المثالي بأن تحقيق التحول الديمقراطي من شأنه أن يحل كل أو جل مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. ولا شك أن كل قضية من هذه القضايا هي (قضية) قائمة بذاتها يجب أن تفكك وأن تفرز عناصرها التكوينية من أجل التماس الاستجابة الملائمة.
إن الديمقراطية لا يمكن أن تنبت عن الأخذ بقيم الحداثة التي اقتصرت في أغلب البلاد العربية على التمدن المادي والمظهري، مع الاحتفاظ بالبنى التقليدية مهيمنة على حياة الفرد ومصيره وعلى حياة المجتمع ومصيره. وللحديث صلة.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية