تم الكشف قبل أيام عن مقاطع أرشيفية حية مسجلة للحوارات الصريحة التي جرت بحضور الرئيس جمال عبد الناصر أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في قاعة الاجتماعات الكبرى بجامعة القاهرة في مايو 1962، وهو المؤتمر الذي صادق بشكل نهائي على الميثاق الوطني للقوى الشعبية الذي يحدد مباديء التطبيق الاشتراكي، وفق الصيغة الناصرية التوفيقية الحذرة التي تتبنى معظم أُسس النموذج الاشتراكي الماركسي المطبق في الأتحاد السوفييتي والدول الإشتراكية السابقة، دون الأعتراف الصريح بتبنيه، مع تطعيمه بالشعارات الإسلامية، فيما كان مئات الشيوعيين المصريين يقبعون حينئذ في أقبية السجون؛ لمعارضتهم الأسلوب المتسرع الذي تمت به الوحدة مع سورية، والتي فشلت في استمرارها في سبتمبر 1961،أي قبل عام من انعقاد المؤتمر، وبلغ مجموع أعضاء المؤتمر 1500 عضو منتخب، 379 منهم يمثلون الفلاحين،و 310 يمثلون العمال، و 150 يمثلون يمثلون ما أُطلق عليها "الرأسمالية الوطنية" و 293 يمثلون النقابات المهنية، و 135 موظفاً، و 23 سيدة تمثلن النساء . على أن التسجيلات التي تم الكشف عنها تبين لنا مدى جدية الحوارات التي شارك فيها،بحضور عبد الناصر ورئاسته، عدد من أولئك العمال والفلاحون والطلبة والنساء (على ضآلة تمثيلهن)، بل تبين لنا بعض المداخلات المستوى الثقافي العالي والوعي السياسي الرفيع الذي كان يتمتع به بعض أولئك العمال والفلاحين البسطاء والنساء.كما من المفارقات التي كشفت عنها مقاطع التسجيلات أنه في الوقت الذي كفّر فيه الشيخان سيد سابق ومحمد الغزالي، عميد الرواية العربية الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ؛ لروايته" أولاد حارتنا"، مطلع الستينيات وكلاهما محسوب على جماعة "الإخوان المسلمين"، وأُعتقل الأول خلال السنوات الأولى من الثورة، وكان يُعرف ب " مفتي الدم"، فإنه بعد ابتعادهما الظاهري عن الجماعة أضحى الرجلان مفيدين لعبد الناصر خلال الحملة التي شنها ضد الشيوعيين في مصر وسورية والعراق، ولم يتوان كل منهما خلال المؤتمر عن مهاجمة الأختلاط بين الجنسين، وعمل المرأة، وعدم تقيد الفتيات بالاحتشام في ملابسهن. وكان رد عبد الناصر بأن المسؤولية تقع على الرجال بعدم السماح لبناتهم بلبس آخر صيحات الموضة كل سنة! مذكراً بمطالب زعيم الأخوان المسلمين الشيخ مأمون الهضيبي في أوائل الثورة بفرض الحجاب على الفتيات في الجامعات والمجتمع وإغلاق دور السينما في الوقت الذي كانت لديه بنت طالبة جامعية سفور ولا تتقيد بتلك المحظورات التي كان يطالب بفرضها.والمدهش أنه رغم سخرية عبد الناصر من أسئلة سيد سابق والتي حذّر في بعضها من أن تعني حرية العقيدة الدينية في الميثاق جواز الردة عن الإسلام،إلا أنه طالبه بأن لا يقتصر عمله على خطب الجوامع والمساجد، بل عليه أن يذهب إلى القرى والمدن ويحشد ناس خلفه، و أن يرتاد حتى المقاهي في شارع فؤاد(ويبدو هنا أن عبد الناصر نسي الاسم الجديد للشارع بعد الثورة: 26 يوليو)! ومن المفارقات أيضاً أن عبد الناصر في عام 1965 بعد ثلاث سنوات من المؤتمر نظّم في منزله حفلاً لزواج ابنته منى دعى إليه بناء على رغبتها أشهر المطربين والراقصات !