العدد 5776
الأربعاء 07 أغسطس 2024
banner
هنية.. “إذا رحل سيد قام سيد”
الأربعاء 07 أغسطس 2024

فتحت الأبواب على كل الاحتمالات بعد الاغتيالات التي حدثت في طهران، وضاحية بيروت الجنوبية؛ فمن اتخذ قرار التصفية هو “نتنياهو”، وهو يعلم يقينا أن قواعد الصراع تجاوزت الحدود والجيران، وأن الرد سيكون قاسيا سواء اليوم أو غدا.

فالأربعاء الأسود لحماس إثر اغتيال الإمام، والصوت الأكثر اعتدالا وحكمة، ودمثا وخلقا، القيادي الإنسان الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس الذي قضى إثر غارة إسرائيلية غادرة على مقر إقامته في طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، واغتيال فؤاد شكر أيضا يوحي بأن المعركة القادمة هي اغتيالات واغتيالات خارج الحدود! فليس دفاعا عن إسماعيل هنية بشخصه، ولا شكر، ولكن تجريما لأي عدوان لكائن من كان، فهنية لديه صفات القيادة والزعامة والحكمة، فإذا جالسته تحب الاستماع إليه، ولا تقطع حديثه السلس، فالرجل محب للسلام والأمان والاستقرار، ومؤمن بأن القضية الفلسطينية ستحل على طاولة المفاوضات، وبالحوار الجاد

والتفاهم مع من يرغب بالسلام حقا، وليس مع من يستهتر بالدول والشعوب، خصوصا حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.

هذا السلوك الإسرائيلي لا يستهدف إسماعيل هنية فحسب، لكن هو رسالة لكل العرب والعالم، بأن إسرائيل هي المسيطرة وهي مجلس الأمن، وهي تدرك تماما ما ترمي إليه من وراء هذه الاغتيالات والحروب، عبر تصعيد خطير لا يمكن تبريره أو قبوله على الإطلاق تحت أية ذريعة من الذرائع، لذا لن يكون أبوالعبد آخر شهداء هذه الأمة - نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا - بل نعتبره أحدث من انضم لركب الشهداء الذي لن يتوقف حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وكما قال المغفور له في آخر حديث له في طهران البيت الشعري “إذا مات منا سيد قام سيد”، فالأمة ولادة، والنصر قادم لا محالة.


ومع ذلك فإن الجريمة الشنيعة في طهران وبيروت، والتصعيد الخطير لإسرائيل وحلفائها، في استمرار الاغتيالات، والحرب على قطاع غزة وجنوب لبنان والاعتداء على سيادة الدول، هي انتهاكات خطيرة للقانون الدولي والإنساني، فأين هي المواقف الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية من كل هذه المشاهد من الاغتيالات والوفيات والاعتداءات على النساء والأطفال والاستهتار الفاضح بحياة المدنيين، أين موقف الدول الكبرى في مجلس الأمن، خصوصا (الصين وروسيا) اللتان نتوقع منهما الكثير والكثير لنصرة الحق واحترام القانون واستتباب الأمن العالمي.

إن خبر اغتيال هنية لن يوقف أهداف فلسطين ولا أهل غزة عن تحقيق النصر، فهؤلاء يعشقون الموت، والطريق الذي سار عليه من قبله في المقاومة الفلسطينية هو الطريق الصحيح الذي ينبغي البقاء عليه وعدم الانحراف عنه، الجهاد ماض إلى يوم الدين، وستظل شعلة النضال مستمرة حتى تحقيق النصر المبين وعودة المهاجرين لوطنهم.

فلا إسرائيل ستنتصر وتعيش بأمان بدون اتفاق سلام، ولا أميركا حليفتها الأولى ستحظى بمكانتها في الشرق الأوسط والعالم كما كانت قبل السابع من أكتوبر الماضي إلا بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

المرابطون مستمرون دفاعا عن قضيتهم وأرضهم، والقيادة الفلسطينية مستعدة للحوار والقبول بالحلول الدبلوماسية، ونأمل أن يكون حوار واتفاق الفصائل الفلسطينية في بكين بداية للوحدة والاتفاق على رأي واحد لمواجهة الاحتلال، لأن المصالحة بين كل الجبهات بداية لتسوية الصراعات الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية أصبحت عاجلة، اليوم قبل الغد، لإنهاء الصراع على الكراسي المختفية خلف الستار، والإعلان الآن عن حكومة وطنية واحدة يجعل الرئيس محمود عباس يأمن للمرحلة القادمة، ويجعل من التفاوض الفلسطيني قويا مع الآخرين.

ما جرى من اغتيالات درس لكل العرب بأن إسرائيل أصبحت دولة فوق القانون وصواريخها يمكن أن تضرب في أي مكان دون مبالاة أو خوف من قرار أممي أو دولة عظمى أو حرب، وستظل تقوم بدور الضحية والادعاءات والكذب، كما شاهدنا في حفلة الكونغرس الأميركي، ولكن هذه الأكاذيب ستكون لها نهاية، والنظام الدولي الانفرادي الذي كان سائدا في الماضي أثبت فشله، ولن يعود.

فيا أهل فلسطين في كل البقاع، اتفقوا واتحدوا قبل سقوط غزة وغيرها، فالصراع لم ينته بعد، وعلينا ألا ننخدع بتصريحات أميركا وغيرها، فقد آن الأوان للتحدث بصوت عال ومسموع كحكومة واحدة وكعرب لحصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة، ولن نترك الإسرائيليين يحددون مستقبلنا، فاغتيال القائد هنية وشكر أيقظنا، كما كانت حرب غزة السبب لمعرفة قوة المحتل، وهكذا هي الحياة، جهاد واستشهاد ونضال، فرحل قائد وسينهض قائد.

فلسطين دولة عربية إسلامية، لذا علينا أن نفرق بين الإدانات والاستنكار بين أذن ترامب وبين استشهاد قائد عربي مسلم ومعتدل وحكيم في آرائه وأطروحاته، وإذا رحل سيد قام سيد، وستبقى فلسطين قضيتنا الأولى حتى التحرير.. والله من وراء القصد.

كاتب ومحلل سياسي عماني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .