أدين بالفضل إلى أستاذ اللغة العربية عاطف السلطي رحمه الله الذي أرشدني لقراءة شعر الأخطل الصغير وأنا في ثاني ثانوي بمدرسة مدينة عيسى عام 1986، فقد كنت أسأله دائما بحكم معرفتي بكبار الشعراء كالسياب، والبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم، عن الشعر العربي والقيمة الفنية في النص، وخصوصية هذا الشاعر أو ذاك لكي يحتفظ بكياته، فتحدث رحمه الله عن جوانب مختلفة لهؤلاء الشعراء والدور الذي لعبوه في الشعر العربي، ثم قال وكأنه يرشدني إلى كنز جديد.. اطلع على قصائد الأخطل الصغير، أو الشاعر بشارة الخوري.
وبما أن مكتبة الوالد كانت تزخر بمعظم كتب ودواوين الشعر العربي، فقد اطلعت على أشعاره، خصوصا أشعار الغزل والشباب، فقد كانت هذه النوعية من القصائد لها أهمية بالغة عندنا نحن طلاب الثانوية العامة، وحتى بعد التخرج ودخولنا في دراما الحياة لم نتحرر أبدا من قراءة الأخطل الصغير.
إن غزله لم يكن لمجرد أنه يريد أن يتغزل، ويقول شعر الحب، بل كان غزلا مشحونا بحب عارم للحياة، وبشوق عارم إلى أن يتاح لكل إنسان أن يعيش هذه الحياة بكل امتلائها، بدون بؤس، بدون حرب، بدون مأساة، وبدون حواجز تمنع هذا الإنسان من أن يمارس إنسانيته. هذا الحب العارم للحياة هو في أساس ذلك الشعور المأساوي، واللوعة، والمرارة التي تبرز حتى من خلال التعبير عن الفرح في شعره. فبقدر ما يحب الحياة هو ينظر بأسى إلى ما يحمله المستقبل من موت، إنه يريد أن يعيش حياته عمقا واتساعا معا، فهو إذ يعبر عن فرحه بالحياة يعبر كذلك عن لوعته من أن الأيام تمضي، وشمس العمر تذبل وهي تقترب من المغيب.
للعلم.. الصدمة التراجيدية أن الأخطل الصغير توفي في نفس العام الذي ولدت فيه وهو عام 1968، وكأن الأمر أشبه بمطاردة عكسية.