العدد 5717
الأحد 09 يونيو 2024
banner
تسويق الأمم والشعوب
الأحد 09 يونيو 2024

هل من الممكن أن تشتري ساعة يونانية؟ أو سيارة رومانية؟ أو تشتهي طبقا من المطبخ الإنجليزي؟ الإجابة البديهية والمنطقية هي لا بطبيعة الحال. وهذا يعود في المقام الأول لوجود صورة نمطية عن الأمم والشعوب تتعلق بسمعتها التي تكونت عبر الوقت. فمنحت هذه السمعة المتراكمة الفرنسيين صيتا مميزا مفاده أنهم يبدعون في تقديم أشهى المأكولات، وأن الإتقان الهندسي من نصيب الألمان وأن الدقة من نصيب السويسريين. لكن إلى أية درجة كان هذا التصنيف يطغى عليه الطابع العنصري ويميل بشكل غير منطقي ولا موضوعي لصالح الرجل الأبيض؟ هل يشكو المطبخ الصيني من قلة أطباقه وطيب مذاقها؟ هل هناك شك في الجودة اليابانية ودقة منتجاتها؟ وهل من الممكن التقليل أو الاستخفاف بالإبداع الكوري المتواصل؟
ولكن الإرث الاستعماري المتأصل في ذهنية الإرث الأبيض هو الذي يجعل من النظرة الفوقية أساس التقييم للغير. فيكون بالتالي الشعب الآسيوي مجرد ناسخ ومقلد، والبرازيل شعبا مهووسا بالرقص وكرة القدم، والشعوب الأفريقية كسالى ولا يستطيعون قيادة أنفسهم. هناك نماذج جديدة من التفوق والنجاح والإبداع تبرز على الساحة الدولية اليوم أبطالها غير تقليديين، دول مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل،  وهي دول خارج منظومة الرجل الأبيض التقليدية التي كانت تحتكر وحدها المشهد وسردية النجاح الاقتصادي تاريخيا. وهذه الدول يجمعها جميعاً أنهم كانوا كليا أو جزئيا من مستعمرات الرجل الأبيض، وهذا تماما الذي يجعل تغيير المشهد يحمل أبعادا مثيرة ودرامية. يعلمنا التاريخ بشكل واضح وجلي أن التغيير والتحول ممكن بالنسبة إلى الأمم والشعوب متى ما تبنت منهجية جادة مبنية على أسس قوية لتحقيق ذلك التغيير والتحول المنشود، وهو ما حصل مع سنغافورة وكوريا الجنوبية والصين والهند ورواندا وتشيلي على سبيل المثال لا الحصر. وهي تغيرات مبهرة في جملتها نظرا للتغيير الحاد الذي حصل والتحول الكبير الذي فرض الإعجاب والاحترام والتقدير لتلك التجربة. لكن الأهم هو كسر الصورة النمطية التي كانت تروج من قبل الغرب بأنهم وحدهم القادرون على الإنجاز وتقييم غيرهم بمعاييرهم.
*كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية