العدد 5672
الخميس 25 أبريل 2024
banner
تآزر وضحكات في يوم ماطر
الخميس 25 أبريل 2024

كنت خارجاً من المنزل، متجهاً كعادتي اليومية إلى المقهى، فيما السماء وديعة، بعد ليلة عاصفة، أيقظتني فيها زوجتي من النوم، طالبة مني القيام لمشاهدة الأمطار الغزيرة، إلا أنني لم أكترث، بقيت متسمراً في فراشي، فيما ابنتي دانة وزوجتي كانتا تنظران بدهشة إلى السماء وهي ترسل غيثها سخياً!
وأنا متجه عبر شارع جميرا الأثير على قلبي، كانت السُحبُ كعاشقاتٍ خجلى، يندى منهن الرذاذ الذي يستحيل أحياناً دموعَ شوق تهطل، إلا أنها حتى الساعة كانت ودودة، لم تخرج كل ما في قلبها من شجنٍ وشوق. وصلت المقهى، رحبت بي النادلة التي اعتادت على مقدمي كل صباح، ودون أن أطلب منها، أعدت لي فنجان القهوة كما أحبُ، حيث لم يعُد أي بُنٍ يروق لي. فتحتُ جهازي المحول، وبدأت العمل وإرسال عدد من الموضوعات والدراسات التي قد تفيد في فهم وتحليل الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وأنا أرقب السماء من خلف الزجاج، بانتظار أن تحييني الشمس العالية، معلنة أن أقبل لتعانق أشعتي.. فالرياضة لا أُطيقها إلا تحت أشعة الشمس التي تشعرني بالقوة والعنفوان. بدأ المطرُ يشتد فجأة، هبت الريح وحلت الظلمة، وحينها خزائن السُحب كانت سخية، فالماء كان أكثر من أي وقت مضى في دبي؛ فطوال سني وجودي هنا، لم أشهد هطولاً وعواصف كالتي أبصرتها تلك الساعة. كانت زوجتي ترسل لي فيديوهات ابني سعد، وهو يمشي تحت المطر فرحاً، ويرفع يديه، والضحكات تتناثر يمنة ويسرى، في الوقت الذي فيه نادلة المقهى تصارعُ الماء وهو يريد أن يداعب كراسي الندماء، وكنت أمسكُ بالباب فيما 

بصري كان مشدوداً إلى الشارع الذي تحول نهراً، فيما جاري الباكستاني الذي يعمل في تنظيم السيارات للصالون النسائي، يرافقه النادلُ المصري الذي يبتسم لي كل صباح رغم أنني لم أحتس القهوة عنده يوماً، كلاهما، وتحت المطر الغزير، خرجا، ينظفان مجرى المياه ويفتحانه، دون أن يأمرهما أحدٌ، ودون أن يجبرهما مديرٌ على ذلك.
ظلت هذه الصورة في ذاكرتي، وأنا عائد إلى شقتي بعد أن هدأ المطر قليلاً، فما دفعهما إلى ذلك، وسواهما الكثيرون هو حب هذه المدينة، وإلا لماذا يرهقان جسديهما!
صورٌ، فيديوهاتٌ كثيرة، تحكي الكثير من النُبل والشهامة والتعاون بين المواطنين والمقيمين في دبي، وهي دالةٌ على أن الخير في الناس هو الأصلُ، وأن البشر على اختلاف ثقافاتهم وألسنتهم وأعراقهم يتعاونون فيما بينهم، ويشدون من أزر بعضهم البعض بصدق ومحبة.

كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية