العدد 5630
الخميس 14 مارس 2024
banner
رمضان شمالاً
الخميس 14 مارس 2024

مع انحيازي لئلا تخرج المناسبات عن نطاقها، ولا تلبس ما ليس لها من لبوس، ومع تشبعي في كل عيد من شطر بيت المتنبي القائل: "بأي حال عدت يا عيد"، إلا أنني لم أستطع مغادرة إحدى التهاني المعكوسة بشهر رمضان الفضيل، حينما بعث أحد الأصدقاء لوحة فنية مؤلمة تصور مئات الصبية الفلسطينيين في غزة وهم يحملون مواعينهم في أيديهم الصغيرة ينتظرون الطعام، وكتب أعلاها "رمضان حزين"!

الحزن لا يتعلق برمضان، فالشهور الخمسة الفائتة أشهر حزن طويل المدى يتجاوز القتال غير المتكافئ بين الطرفين، ويتجاوز الانتقام الوحشي الذي يقوم به جيش الاحتلال، وهو أكبر من الخذلان العالمي الرسمي بشتى صوره وأشكاله وهو يسمع ويصم أذنيه، ويرى ويغلق عينيه، ويدرك – حتى لو فعل ذلك – أن هناك شعباً يتعرض للإبادة، وليست لها تسمية أخرى أقل، ولا أخف وطأة، فإذا لم تكن هذه هي الإبادة فما عساها تكون.. حزن يتعدى الغرق العربي في بحيرات نتنة من الخزي، يخرجون أرباع رؤوسهم من الأدمة التي هم راكزون فيها ليستفسروا مرتعدين "هل انتهى كل شيء وأسدل الستار، وأتمّ الغول حفلته الدموية.. أم علينا العودة للغوص في ما نحن فيه؟!". ليس رمضان وحده الذي يحتاج إلى الأغذية، فالصوم اليومي الإجباري هو الساري في قطاع غزة، والإفطار هو الاستثناء. لم يبدأ صومهم والناس في كل الأقطار مختلفون على بدء الصيام الاثنين أم الثلاثاء، فما هي إلا أسماء أيام وأشهر تمرّ عليهم، بينما صومهم الكبير، والخطير حدّ المجاعة، كان قد بدأ منذ إعلان الاحتلال رسمياً سياسة التعطيش والتجويع على الملأ، ومن يجد في نفسه بعض شجاعة من الدول ليعترض أو يأخذ موقفاً إن أراد.

رمضان شمالاً.. حيث غزة وحدها تصوم ووحدها تفطر، وحدها تصنع عيدها إن شاءت ووحدها تتلقى كل هذا العهر المبرّأ والمبرر من أنظمة ومنظمات العار التي لا تقل عنها عهراً.. وحدها غزة آمنت أنها لن تتعرض لما هو أبشع مما تتعرض له، فليأت ما شاء من الشهور والمناسبات، فكلها عند غزة سواء.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية