العدد 5616
الخميس 29 فبراير 2024
banner
أشرافنا وأشرارهم
الخميس 29 فبراير 2024

تستقر الصور المنمطة للشعوب، أو لأتباع المذاهب الدينية، أو الأديان المختلفة في ذهنية الكثير من الناس من دون أن يفكروا في تفكيك هذا الخطاب البائس أو التخلص منه، وحتى إذا ما تعالى عنه بعضنا، وذهب نحو العقلانية، نراه – في غفلة وفلتة لسان – يقولها، ويعتذر عنها لأنها خرجت بشكل عفوي من مخازنه الثقافية. ولعلّ ما نتهم به الغرب ككل، أنه مجتمعات خالية من المشاعر الدافئة، لا أحاسيس فيها، ولا عمق في الصداقات، والعلاقات فيما بين الناس قائمة على المصالح في المقام الأول، ويعطون بقدر ما يأخذون في حسابات دقيقة جداً. لكن يحق لنا أن نتوقف لنتساءل: كم من مشرقي (يتفاخر بعكس ما ينتقد الغربي به) يضع يده في جيبه ليتبرع للفقراء في العالم، من دون أن يعرفهم، ومن دون أن يكونوا من دينه، أو من عرقه؟ كم نعرف ممن هم حولنا هبّوا للمساعدة الفعلية لبلد منكوب في أقصى الأرض بكارثة طبيعية، وعرضوا أنفسهم للتعب والأذى، وربما للمخاطرة، ولم يكتف بالفرجة على التلفزيون والتعقيب بالقول: “الله يساعدهم”، هذا إن لم يدع عليهم لأنهم منحرفون، وهذا عقاب رباني على ما يقترفون؟ كم منا مستعد أن يخرج في مسيرة من أجل الحيتان في بحر اليابان، أو من أجل نيل الشعوب الأصلية حقوقها؟!
وغير هذه الأمثلة كثير، والتي تجد لها مناصرين في الدول الغربية باردة المشاعر، التي لا تحفل إلا بأرقام الأرباح والخسائر. بينما نحن على عاداتنا القديمة، نعتقد – بلا أي مبرر ولا دليل – بأننا أفضل منهم وأشرف.. بدليل أنهم يتعاطفون اليوم ويتعاطون مع ما يجري في غزة ونحن صرنا لا نتفرج على الأخبار لأننا تشبعنا من مرأى الدم والدمار.. ولأن أحد أشرارهم الأميركان ويدعى آرون بوشنلال، وهو طيار في سلاح الجو الأميركي أضرم في نفسه النار أمام سفارة الاحتلال في واشنطن، بينما أشرافنا يبحثون بحثاً عن البضائع المقاطعة لتعمد شرائها ليثبتوا أنهم ليسوا مع “القطيع” المناصر لغزة، وأن لهم رأياً لا تصل إليه عقول المساكين المضللين. لنعيد اكتشاف – وليس للمرة الأولى – أننا نعيش في فقاعة وراثة الشرف، بينما الشرف مواقف لا دماء وأسماء.
كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .