العدد 5588
الخميس 01 فبراير 2024
banner
حتى لا نكرر المأساة النكساوية
الخميس 01 فبراير 2024

واحد من أكثر الناس المظلومين عربيا في التاريخ الحديث، رئيس إذاعة الشرق الأوسط، أحمد سعيد (1925 – 2018)، إذ لا يأتي ذكر هزيمة يونيو 1967 إلا وذكر الرجل على اعتبار أنه وجه من وجوهها، وأن بياناته التي أطلقها بحماس (عذراً) في الإذاعة في الأيام الأولى للحرب كانت تقول بسقوط أسراب الطائرات، وتدمير أرتال دبابات العدو، وأننا على مشارف تل أبيب... وإذا بالغبار ينقشع لتجد الأمة العربية نفسها غارقة في عار عظيم، خففته بـ “النكسة” بدلاً من الهزيمة الشنعاء.. ولبس سعيد ثوب المهانة هذه طيلة الفترة التي تلت المصيبة لمدة 51 عاماً بالضبط، لأنه توفي في الرابع من يونيو 2018، أي قبل يوم من حلول الذكرى المؤلمة!
شخصياً، “أتلذذ” - بكل ما تحمله الكلمة من معنى - و”أنتشي” - بالمقدار ذاته - وأنا أتابع – كما الملايين – المقاطع التي تصورها المقاومة الفلسطينية لعمليات قنص المركبات، والأفراد من قوات الاحتلال. وبعيداً عن تعريف من هو المحتل في هذه الحالة، ومن هم أفراد المقاومة، وعلاقاتنا التاريخية والمتشعبة مع كلا الطرفين؛ فإن رؤية المظلوم وهو ينتفض، ويضرب، ويوجع، تشير إلى تحقق بعض العدالة التي يحلم بها الإنسان السوي، العاجز عن تقديم أي شيء لنصرة الحق غير الكلام، وإعادة التغريد والنشر لما يراه مؤيداً لقضيته. إلا أن بعضاً منا، يرون في هذه البطولات المتفرقة “انتصارا” عظيما، وهذا ليس على مستوى الناس وحسب، ولكن بتغذية مع محطات وقنوات تثير الحماس (أعتذر مجددا)، وفي المقابل، نرى المشهد بشموليته، لنجد أن المقاومة الفلسطينية تفعل ما في وسعها، بل وأكثر، وتحمل نفسها ما يجب أن تتحمله دول مكينة بجيوشها ومنظوماتها العسكرية، لكن الوضع على الأرض مزرٍ لمئات الآلاف من البشر بجملة من أشكال المعاناة الظاهرة التي نراها، واليومية الاعتيادية التي تتوارى خجلاً أمام الألم الأعظم.
أحمد سعيد قال - في أواخر حياته - إنه كان يلتزم بإذاعة ما كان يصله رسميا، ولم يفتعل شيئا من عنده، وهنا، من الإنصاف أن يكون الواقع هو السيد، حتى لا تتهاوى الصروح العظيمة من شاهق.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .