العدد 5574
الخميس 18 يناير 2024
banner
اللعب مع الوقت
الخميس 18 يناير 2024

مع تجاوز المئة يوم من السابع من أكتوبر الماضي، والتدمير اللا أخلاقي الذي حصل لغزة جراء هذا الاكتساح الرهيب الذي يلغي قوانين الفعل ورد الفعل، وينبئ عما وراء ذلك؛ يكشف العدو أنه يعود لاستراتيجية أثيرة له، وهي: الوقت.
الوقت من العوامل الحاسمة بالنسبة لجميع الأمور، هناك حاجة إلى وقت سريع حتى لا تفوت الفرصة، وهناك حاجة إلى وقت قاتل من البطء، لأن الفرصة تحتاج إلى الصبر والنار الأقل من الهادئة حتى تنضج وتستوي، وبين الوقتين هناك تدرجات للوقت. وليس “أشطر” من الإسرائيليين في اللعب على الوقت، واللعب معه. فغالبية خططهم التي نراها اليوم ماثلة أمامنا - بما فيها تدمير غزة - أخذت وقتها من الاستواء حتى حان وقت التنفيذ، وكانت المسألة تحتاج إلى حجة أو ذريعة لهذا الذي يحصل اليوم، وإلا فما المبرر لكل ما نراه من إبادة حقيقية لا تسمية أخرى يمكن أن تخففها؟! وعودة إلى فكرة تأسيس الكيان الإسرائيلي انطلاقاً من المؤتمر الذي تزعمه تيودور هيرتزل، سنجد أن بينه وبين قيام الكيان المحتل 51 عاماً، لم يكونوا يخططون ليومهم، فلا أظن أن أحداً من الذين خضروا المؤتمر في 1897 كان على قيد الحياة في 1948 إلا قلة قليلة، ولكنهم كانوا يدركون أن مكر الليل والنهار، واللعب على الوقت بهدوء، وباستمرارية، وبذكاء، يمكن أن يوصلهم إلى مطلبهم.. وقد كان. وأخذوا “يقضمون” الأراضي الفلسطينية والعربية رويداً رويداً ويفاوضون على ما انتهوا إليه على اعتبار أن ما فات في حكم الماضي المنتهي. وأخذوا “يدلكون” عضلات القوى الفلسطينية الفاعلة إلى أن ارتخت وصار أكثرها لا يقوى على حمل السلاح.
اليوم، تمارس إسرائيل الأمر نفسه بإطالة أمد الحرب، لمعرفتها أن العالم، مهما تعاطف وسيّر المظاهرات، وضغط على الحكومات سيتعب، وستأتي أمواج أخرى لتغطي هذه الموجة، وسيلتفت العالم إلى المستجدات، وسيتفرغون هم إلى ما ينوونه من خطط، ولو بأبشع الطرق والآليات، فهم في فورة ردود الفعل وعنفوانه لم يردعهم رادع من أخلاق أو خجل عالمي، فما بالنا والوقت يمضي؟! وباستغلال الوقت، ستلين عريكة الدول والمنظمات، وسيتسامحون مع هذه الجرائم، وكأن شيئاً لم يكن.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية