العدد 5573
الأربعاء 17 يناير 2024
banner
جنوب أفريقيا.. وقفة تشريف ودروس وعبر
الأربعاء 17 يناير 2024


في سابقة تاريخية، ومن جوانب لابد من الوقوف عندها، أولا ما حدث بعد السابع من أكتوبر الماضي من هجوم إسرائيلي وحشي، وثانيا أن تتقدم دولة جنوب أفريقيا بدعوى على إسرائيل بارتكابها جرائم إبادة جماعية لمحكمة العدل الدولية في لاهاي والتي باشرت يوم الخميس الماضي أولى جلساتها بشأن هذه الدعوى وهي قضية من شأنها أن تغير مسار الأمور بعد أن سقطت الأقنعة في غزة، فهذه الدعوى تأتي في إطار تفعيل كل القنوات القانونية والسياسية والدبلوماسية لفضح إسرائيل التي انتهكت كل الاتفاقيات والقوانين وتنفذ إبادة جماعية وتحاصر غزة وتمنع الدخول إليها، مشددين في الدعوى على أن ما فعلته حركة حماس مهما كانت خطورته، لا يمكن أن يبرر الارتكابات الإسرائيلية.
لذا فإن الدعوى الجنوب أفريقية تعد الأولى ضد هذا الكيان، والتي نالت تأييد أكثر من 14 دولة ومن بينها سلطنة عمان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، فنحن أمام قضية مكتملة الأركان والحقائق، حتى إن لم تطبق قراراتها لأنها غير ملزمة ولكن البعض يلتزم، والبعض يحيلها لمجلس الأمن لتطبيقها، والذهاب لمجلس الأمن سيواجهه الفيتو الأميركي! تابعت المحاكمة عبر التلفاز، من خلال التقرير والدعوة المقدمة للمحكمة الدولية والمكونة من 84 صفحة قدمها 9 حقوقيين يشكلون صفوة المحامين، مؤكدين أن إسرائيل انتهكت المادة الثانية من اتفاقية "منع الإبادة الجماعية"، وارتكبت أعمالاً تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية وغيرها مع الأدلة والبراهين والصور والتصريحات اليهودية التي لا تعطي القضاة أي مبرر لرفض القضية او إصدار حكم عادل لها. وفي اليوم الثاني قدمت إسرائيل دفوعاتها عن القضية الكاذبة والغريبة، وبأن المحكمة ليس لديها اختصاص بالنظر في مثل هذه القضايا، وفشل محامي إسرائيل في معارضة ومحاججة طلب جنوب أفريقيا إزاء كل الدلائل المقدمة، فالدفاع عن النفس ليس مبررا لارتكاب جرائم إبادة جماعية، وكل الحجج الإسرائيلية للدفاع عن نفسها والأكاذيب تم فضحها وتفنيدها بالبراهين والأدلة الدامغة، وتصريحات القادة الإسرائيليين هي أدلة واضحة للعيان!
لذا فالرد الإسرائيلي على الاتهامات في محكمة العدل الدولية، مجرد افتراءات غريبة وعجيبة من متهم ومحتل فاشل، ومن المتوقع أن يصدر حكم في وقت لاحق من هذا الشهر بشأن الإجراءات العاجلة لملف هذه القضية، وقرارات المحكمة نهائية وغير قابلة للاستئناف.
فنحن اليوم بعد أن انكشفت الكثير من الأقنعة وسقطت بعد هذه الحرب، نتطلع لسماع رأي هذه المحكمة وما ستقرره لحماية الفلسطينيين على أساس العدالة والمساواة والحرية بشأن تعليق الحرب ومنع الإبادة والتهجير وغيرها من الجرائم، فالحملات لقمع الأصوات وتبرير الحرب لن تجدي نفعا طال الزمن أو قصر.
فالمتابع لأروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي يصاب بالصدمة أمام هول الانتهاكات الإجرامية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة وغيرها، فتحية تقدير وشكر لأبناء مانديلا على موقفهم الشريف من أحداث غزة، ولكل الدول الداعمة للقضية، رغم أننا كنا نتوقع أن ترفع الدعوة دولة عربية أو مسلمة من باب أضعف الإيمان، لكن جنوب أفريقيا التي عانت من نظام الفصل العنصري الشبيه بما يعانيه الفلسطينيون اليوم حملت الأمانة وقدمت ملفا محكما للمحكمة شاملا كل الإجرام الذي تمارسه إسرائيل تجاه الفلسطينيين، فهل يعلم ذلك "بلينكن" أم أنه يتعامى عن حقيقة إسرائيل وما ترتكبه بحق أهل الأرض الحقيقيين.. والله من وراء القصد.
 
كاتب ومحلل عماني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .