العدد 5560
الخميس 04 يناير 2024
banner
حتى تنفقوا ما تحبون
الخميس 04 يناير 2024

لم أقتنع كثيرًا بما يسوقه مدرسو مادة التربية الدينية في المدارس عندما كنا في الثمانينات ندرس آيات الجهاد، ولا ما قرأته من قليل كتب التفسير، حينما تتكرر الآيات التي تدعو إلى بذل المال (أولًا) ثم النفس، إذ اقترن جهاد المال بجهاد النفس في القرآن في عشرة مواضع، تقدَّم فيها جهاد المال على الجهاد بالنفس في تسعة منها... أقول لنفسي: فالنفس تأتي بالمال إن ذهب، ولكن المال لا يأتي بالنفس إن ذهبت.
ولكن قبل أسبوعين تحديدًا، أطلقت إحدى الجهات الإعلامية العربية المحترمة والمرموقة، حملة لدعم صحافيي غزة لتستمر التغطية، ويستمر النقل، ويستمر توثيق الحدث الكبير، وذلك بهدف جمع 100 ألف دولار (أقل من 38 ألف دينار) لشراء كاميرات، وميكروفونات، وأجهزة محمولة، وتوصيلات، وأكسسوارات للتصوير والتسجيل والبث، بدلًا من تلك التي تلفت في الحرب، أو التي أصبحت تحت الأنقاض، أو التي اهترأت من الاستخدام المفرط، وسيتم الشراء من داخل متاجر غزة عبر الاتفاق مع التجار هناك، ولكن مع ذلك لم تصل الحملة الآن إلى ثلث المبلغ المستهدف على تواضعه! إننا نثبت مجددًا “شطارتنا” في الحكي، وفي نقل النقل إذا أردنا “الجهاد”، وفي إبداء التأثر، وفي إطلاق الآهات أمام شاشات التلفزيون على ما يحدث قبل الانتقال إلى قنوات أخرى، نعرف جيدًا النقاش والجدال، وتحول كثيرون منا إلى “دويريين” نحلل المواقف العسكرية.. نقول إن الصحافيين عيوننا، ولولاهم لما رأينا وما عرف العالم حقيقة ما يجري، ولراجت الرواية الإسرائيلية وحدها.. ولكن عند الفعل الأقل، وهو المساهمة على مستوى الوطن العربي وخارجه ولو بأقل القليل، تتدفق الأعذار، ونقدم رجلًا ونؤخر أخرى، نتساءل بلهجة المتشكك والمحتاط: “هل سيصل المبلغ؟”، و “ما الذي يضمنني؟”، وإذا ما أراد أحدنا تقديم المساعدة مرر دعوة التبرع لآخرين لديه في قائمة الاتصال، ويكون بذلك قد أرضى ضميره بمساهمته في المعركة، وإلا فإن كثرة من الناس سيعبرون فوق دعوة كهذه وكأنها منفصلة عن تأثرهم للتو بمقتل مراسل، أو تعمد استهداف أسرة إعلامي.
صحيح أن للدعم أشكالا وقنوات، لكن عند بذل المال، يتبين من بكى ممن تباكى.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية