نار ترعى تحت رماد، تلك التي اشتعلت طوال سنوات عديدة مضت، خطاب كراهية تسنده فتاوى شرعية، أحكام متجاوزة للحدود، يشجعها فقهاء من كل حدب وصوب، لذا جاء المؤتمر العالمي الثامن لدار الإفتاء المقرر إقامته في القاهرة خلال الفترة من ١٨ حتى ١٩ أكتوبر الجاري برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي ليضع حدًا للاختلافات والخلافات بين فقهاء الأمة على ثوابت وشرائع، وعلى نظم ومناسك استقر عليها عالمنا الإسلامي لقرون طويلة من الزمان، وبات لزامًا على كل بيت مسلم أن يعيد البحث من جديد في أمهات الكتب، وفي مراجع الأئمة، وفي حيثيات الأحكام والخطب التي زلزلت كيانات وأحرجت فقهاء، وأقامت الحدود، وألغت قيود، وباتت كما لو كانت شرائع مستقلة بحد ذاتها.
من هنا يأتي المؤتمر العالمي لدور الإفتاء من ٩٠ دولة إسلامية ليضع حدًا للهرج والمرج الذي ساد عوالم الفتوى التي تم فتح الباب لها مشرعًا بعلم ومن دون علم، من فقهاء دارسين، وعلماء مبجلين أو بأنصاف عالمين، وأنصاف مختصين، وأنصاف مؤمنين.
من هذا المنطلق كان لابد أن يكون باب الاجتهاد مفتوحًا بشروط، والقبول بالآخر مقبولًا في حدود، ونشر تعاليم الفتوى على عموم الناس من جهات مرخص لها سلفًا، ومسؤولة سلفًا، ومن خلال فقهاء حقيقيين وليس عن طريق برامج فضائية ومهاترات عبر "السوشال ميديا"، وصراعات فكرية مفتعلة لتشويه صحيح الدين وتغريب المجتمع وبث خطاب الكراهية للآخر المختلف.
المؤتمر العالمي الثامن لدار الإفتاء المصرية في القاهرة ينعقد في وقت عصيب، أصبحت الأمة فيه قاب قوسين أو أدنى من نهاية التاريخ، وبداية حقبة جديدة من الشرائع الملتبسة، والفتاوى المتناقضة، والقصص المختلقة، والآراء المتفاوتة، جاء المؤتمر في وقته ليرسي من جديد مجموعة من المفاهيم لدرء المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تحديات الألفية الثالثة من خلال ثلاثة محاور: الأول يناقش تحديات الألفية الثالثة وبناء طرائق المواجهة، بينما الثاني يتحدث عن الفتوى والتحديات الفكرية والأخلاقية، بينما الثالث يتضمن الفتوى والمشكلات الاقتصادية وتحديات الفضاء الإلكتروني، في محاولة جديدة لتوحيد خطاب التوجيه للمجتمع وإعادة بنائيته على أسس شرعية وثوابت فقهية، وعناصر متواكبة.

كاتبة مصرية