يبدو أن شيئاً ما سيغير وجه العالم أكثر مما غيرته التكنولوجيا على مر الأزمنة، ولا يعد الحديث عن الثورة المعلوماتية والإنترنت وسرعة الاتصالات وغيرها من تطورات حصلت في العقود الماضية إلا نقطة في بحر ما سيغيره هذا الجديد الذي يدعى الذكاء الاصطناعي.
يمكن لهذا الذكاء أن يبدي الآراء في أمور مفصلية، وأن ينتج نتاجات فنية من قصص ولوحات وغيرها، وأن يعلم، ويقدم الاستشارات الطبية والعلاجات ويصنع الأدوية، ويجيب على مختلف الأسئلة ويتحاور، ويثير إعجاب محدثيه، وغيرها الكثير من الأشياء إلى الدرجة التي يمكن أن يعتمد عليه في مناحي الحياة المختلفة لذكائه غير الطبيعي. ويعتبر إعلان مؤسس ميكروسوفت “بيل غيتس” بدء عصر الذكاء الاصطناعي واحداً من أهم الإعلانات في هذا الزمن، والذي يبدي فيه غيتس إعجابه واندهاشه من المستوى المتقدم الذي آلت إليه هذه التكنولوجيا المختلفة والفريدة من نوعها، والتي تفرض نفسها لتكون ذات السطوة والقوة على المستوى القريب، وهذا هو التحدي الأكبر في أن يتفوق الكمبيوتر على العقول البشرية في غير العمليات الحسابية، ومنها أن يرسم الذكاء الآتي من رحم الصناعة والمتهم دائماً بالجمود وفقدان المشاعر لوحات فنية رائعة أو معزوفات مميزة أو أغان رائعة بسرعة فائقة.
لا شك أن هذا كله يعد خيراً للبشرية في واقعه، لكنه يحمل الكثير من المخاوف التي قد تجعل من آثاره السلبية أكثر من قنبلة نووية تقع في منتصف العالم لتحدث ما تحدث من أضرار بليغة، هي النهاية - كما نعلم - من فعل القوة المتناهية التي تمتلكها، لكن في كل الأحوال فإن الاستخدام الصحيح لأي جديد في عالم التقدم العلمي هو الخير كله، أما الاستخدام السيئ والخاطئ فهو ما يعتبر وبالاً على البشرية، وبالتالي فإن مسؤولية الأفراد نحو مجتمعاتهم والأجيال الاستخدام الأمثل لهذا التطور حتى لا تحل الفوضى.
* كاتب وأكاديمي بحريني