+A
A-

يوسف بهلول: الدراما البحرينية كانت تسابق زمانها

فنان خليجي دخل كل بيت في الخليج العربي والعالم العربي بأعماله الدرامية المتعددة، فمن لم يشاهد الدراما البحرينية وعرف الفنان القدير يوسف بوهلول؟ فهو فنان يبعث برسائله النبيلة عبر الشاشة وعبر مسلسلات عديدة تطرقت إلى عديد من القضايا الاجتماعية.

صعد عتبة المنصات التلفزيونية متخصصا في المجال وموهوبا في آن، فهو الفنان الذي أحب الفن صغيرًا وصقل تلك المحبة بالدراسة ليتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بتخصص التمثيل والإخراج عام 1988.

قدم العديد من الأعمال الدرامية ذات الصبغة التاريخية، ومن بين الأعمال الباقية في الذاكرة "حسن ونور السنا"، و "بحر الحكايات"، و"البيت العود"، إلى جانب العديد من الأعمال الدرامية الأخرى ولعل آخرها المسلسل الخليجي "الزقوم" الصادر في عام 2022. الفنان يوسف بوهلول، حلَّ ضيفا عزيزا على صحيفة عُمان في هذا الحوار الذي دار بروح عفوية ودردشة أخوية، فإلى ما قال:

الدراما البحرينية القديمة، نستطيع القول إنها كانت تسابق زمانها، من خلال توظيف التقنيات والمؤثرات، من ذلك مسلسل "حسن ونور السنا"، تلك الأعمال وصلت كل بيت خليجي وحققت نجاحا كبيرا، بين الأمس واليوم، كيف ترى مستوى الدراما في البحرين؟

• العصر الذهبي للدراما البحرينية كان في فترة التسعينيات، واستمر العطاء حتى عام 2010 تقريبا، فكان هناك نشاطٌ زاخرٌ للدراما البحرينية، وأذكر أننا كنا نقدم أربعة أعمال في الموسم وذلك في التسعينيات، فقد كان الإنتاج خاصا بالإذاعة والتلفزيون البحرينيين، فقد كنا نقدم عملا تراثيا، وعملا حديثا، إلى جانب أعمال للأطفال مثل "صانع التاريخ"، و"بحر الحكايات"، ومجموعة من الأعمال التي شهدت عدة سلسلات، كما كان هناك عملٌ اجتماعي ديني بعنوان "الكلمة الطيبة"، ففعلا كان زمن التسعينيات زاخرا ونشطا بالأعمال، ولكن للأسف مع تقدم الأيام والسنين أصبح هناك شحٌ في الإنتاج، ويرجع ذلك إلى أن تلفزيون البحرين رفع يده عن الإنتاج، وسلَّم الإنتاج للمنتج المنفذ، فتتقدم شركات الإنتاج الخاصة لتلفزيون البحرين بطلب الموافقة على إنتاج مسلسلات، وهذا الأمر أصبح رهن مزاجية مؤسسات الإنتاج الخاصة ورهن ميزانيتها ورهن موضوع الربحية، في السابق كان التلفزيون يراعي مسألة الأجور وغيرها من المسائل، أما اليوم فقد أصبح الإنتاج تجاريا، واليوم نطالب أن يرجع تلفزيون البحرين إلى إنتاج الأعمال.

ألا ترى أن مؤسسات الإنتاج الخاصة من حقها أن توفر في نفقاتها، خاصة أنها تجازف بإنتاج مسلسلات والتعاقد مع أسماء فنية كبيرة، ثم قد لا تجد قناة تشتري العمل؟

• ربما لا اتفق مع هذه الفكرة، ففي البحرين لا تقوم شركات الإنتاج الخاصة بإنتاج أي عمل إلا بعد التأكد من تبني تلفزيون البحرين له، بالتالي لا تشرع بالتصوير إلا بعد استلام نفقات العمل، بمعنى أن المؤسسة الخاصة لديها سيولة مالية في حالة التصوير، إضافة إلى ذلك يمكنها التربح أكثر من خلال تسويق العمل على المحطات الأخرى، الذي يقول إن إنتاج المؤسسات الخاصة غير مجدية، أرد عليه بأنها مجدية، اعتمادا على العناصر الفنية التي في العمل من كل النواحي، بدليل أن الإنتاج مستمر، وهناك شركات إنتاج تبدأ بإنتاج الأعمال الدرامية دون ضمان مشترٍ، ولكنها تنجح أيضا لأن لديها خبرة طويلة في التسويق، وقد بنت علاقات قوية، إضافة إلى النجوم العاملين في تلك الأعمال الدرامية.

تحدثنا الآن عن الأعمال الدرامية، ولكن ماذا عن الأعمال السينمائية الخليجية؟

• بالنسبة لي لدي تجربة واحدة سينمائية، وكان الفيلم بعنوان "حكاية بحرينية"، مع المخرج البحريني بسام الذوادي، وهي تجربة مثرية حقيقة قُدمت في عام 2006، وقد حاز الفيلم على رضا الجماهير البحرينية والخليجية، إذ عرض الفيلم بصالات السينما الخليجية، كما شارك الفيلم في عدد من المهرجانات السينمائية وعاد بعدد من الجوائز، تلك من التجارب اليتيمة لي في المجال السينمائي، ولا استطيع تقييم الواقع السينمائي الخليجي لأنه واقع مختلف عن مجال الدراما الذي أنتمي إليه.

أعطي زمام إنتاج الأعمال السينمائية إلى شركات إنتاج خاصة عديدة وكذلك هناك إنتاجات خاصة بالأفراد، واعتمدت في الخليج على نجوم مواقع التواصل الاجتماعي، هي أعمال كثيرة، أو ربما يمكننا القول إنها زادت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، منها ما يعرض في دور السينما ومنها ما يعرض على منصاب البث المرئية المختلفة، هل استسهلت الشركاتُ إنتاج الأفلام السينمائية نظرا لتوفر المعدات وبسهولة؟

• الموضوع السينمائي اليوم ليس موضوعا يتعلق بأدوات التصوير، الجودة هي الحكم في الإنتاج والانتشار، لذلك نرى اليوم شركات خاصة تنتج أعمالا سينمائية، كما نرى أفرادا ينتجون الأعمال السينمائية بشكل شخصي، والكثير من تلك الأعمال تتم المشاركة بها في مهرجانات عديدة منها الدولية ومنها المحلية وتحقق نتائج مبهرة، اليوم الإنتاج السينمائي يشهد تزايدا، الأجود هو ما يحقق الانتشار، بعيدا عن آلة التصوير، بعيدا عن شخص الممثل، الجودة تتحقق من الأداء، من الفكرة، ومن الصورة، ومن الإخراج، وغيرها من الجوانب الفنية، هناك مخرجون سينمائيون لهم تجارب رائعة جدا، منهم "عمار الكهجي" الذي قدم أكثر من تجربة في الفيلم القصير، و"جمال الغيلان" وهو مخرج مسرحي وله العديد من التجارب الإخراجية في الأفلام السينمائية القصيرة، و"محمد بو علي"، "حسين الرفاعي" ومجموعة كثيرة في البحرين، هم جيل جديد من السينمائيين الذين أثبتوا قدرتهم على الإبهار والنجاح.

ولدينا في البحرين مهرجانٌ سنوي يقام في شهر رمضان المبارك، تقدم فيه التجارب السينمائية القصيرة، وحقيقة مجموعة كبيرة من الأفلام التي نشاهدها ذات جودة جميلة وإنتاج شبابي.

على ذكر الشباب، هل ترى أنهم بحاجة إلى دعم من فنانين أمثالكم، أعني النجوم؟

• بكل تأكيد الشباب يحتاجون إلى الدعم، ولا أتحدث عن الدعم المادي فقط، بل الدعم المعنوي، والمساندة، وأرى أن نجوم البحرين غير مقصرين بهذا الجانب، وأنا متى ما أتيحت لي الفرصة فلا أتردد بتقديم المساندة لجيل الشباب، الفنان "عبدالله ملك" على سبيل المثال شارك في أكثر من فيلم من إنتاج شبابي، هي فقط مسألة إيمان بالقدرات والطاقات الشبابية وخيالاتهم الجامحة التي تخرج بعمل مميز، ومن التجارب الشابة الناجحة تجربة "أحمد شريف" التي أثبتت قدرتها على التميز في الإنتاج، لذلك وقفت معه ووقف جميع الفنانين معه، وبالحديث عنه، فإن "أحمد شريف" شاب طموح ومبدع وجميل، والعمل معه مثمر، فله جماهير بالملايين في كافة الوطن العربي، لذلك نحن سعداء بالعمل معه وخوض تلك التجارب الرائعة.

 ألا تعتقد أنه سيأتي يوم تنقلب فيه الأية، فيصبح نجوم الصف الأول هم من بحاجة إلى دعم نجوم مواقع التواصل الاجتماعي، وأن زمن التلفزيون سينتهي يومًا ما؟

• أولا الجميع يحتاج إلى دعم الآخر ومساندة الآخر، هي عملية تكاملية ورسالة واحدة، سواء في مواقع التواصل الاجتماعية، أو منصات البث المرئية، أو التلفزيون، ولا أرى أن أحدا منهم سيقضي على الآخر، وباعتقادي أن الأعمال الدرامية التلفزيونية ستتواصل بالعطاء، قد يختلف القالب، ولكن العمل الدرامي سيتواصل، سواء في العرض عبر القنوات التقليدية، أو عبر المنصات، ونحن نعمل متى ما أتيحت الفرصة، وعبر أي منصة تحقق الانتشار.

أنت خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، بتخصص إخراج وتمثيل، هل لديك تجارب مسرحية؟

• قبل الدراسة في الكويت كانت لي العديد من الأعمال المسرحية، وخاصة الأعمال المسرحية المخصصة للأطفال، إضافة إلى أعمال مسرحية للكبار، وكذلك أثناء الدراسة شاركت في العديد من الأعمال المسرحية، وبعد التخرج كذلك قدمت العديد من الأعمال المسرحية، ولكن كل تلك الاشتغالات عملت بها ممثلا، ولم تكن لي تجربة في الإخراج المسرحي، ولكنها خطة مطروحة وفكرة تشغل بالي، ولكني سأؤجل ذلك إلى وقت لاحق قد يكون قريبا.

العمل المسرحي الذي شاركت به وبقي أثره إلى اليوم، ما هو؟

• ربما من أهم التجارب المسرحية التي شاركت بها، مسرحية في الكويت ضمن مهرجان الكويت المسرحي النسخة الثانية في عام 1990، والعمل كان من إخراج الفنان عبدالعزيز مسلم وتأليف الكاتب المصري فوزي الغريب، مع فرقة المسرح الكويتي، وحملت المسرحية عنوان "الستار"، هي من التجارب التي لا ننساها ومن التجارب الجميلة جدا، التي حققت جائزة أفضل عرض بالمهرجان، ربما بقيت هذه المسرحية في قلبي نظرا للأسماء التي شاركت معها، ولفكرة العمل ورسائلها، ولقرب الشخصية، كان العمل جميلا ومؤثرا كثيرا وبقي أثره في نفسي إلى اليوم.

اعتدنا على الأعمال الدرامية ذات الثلاثين حلقة، ربما يرجع ذلك إلى موسمية الأعمال الدرامية في الخليج والوطن العربي المرتبط بشهر رمضان، ولكن وجدنا بعض الإنتاجات اليوم تأخذ منحى آخر، مثلا عمل من 6 حلقات أو 8 عبر منصات البث، ما هو تقييمك لمثل هذه الإنتاجات؟

• هي صورة من صور الإنتاج الفني الدرامي، وأرجع إلى نقطة أن الأهم في العمل ليس عدد الحلقات، أو آلة التصوير، أو شخص الممثل، هناك فكرة، هناك إبداع في التصوير، وأداء قوي، وعوامل أخرى تتحكم في نجاح العمل، ومن ناحيتي الشخصية أرى أن تلك الأعمال ممتازة في اختزال الفكرة وتقديمها للمتلقي بطريقة تخلو من الحشو أو المشاهد الطويلة التي قد تصيب المتلقي بالملل، فللأسف هناك نصوص يحتاج فيها المخرج إلى توزيعها على 30 حلقة بينما قد تكفيها 8 حلقات، وقد يكون ذلك على حساب الجودة في الحوار، المشاهد الهامشية، وغيرها مما قد يُفقد العمل والنص بريقهما.

هذه التجربة ليست حصرية على منصات البث المرئية، فمثلا كانت لدينا تجربة في البحرين بأن نقدم مسلسلين في رمضان، الأول في النصف الأول من رمضان بواقع 15 حلقة، والمسلسل الآخر بالنصف الثاني من رمضان، مثلا مسلسل "تالي العمر" كان من 15 حلقة، ومن أنجح مسلسلات البحرين مسلسل "سعدون" من 15 حلقة.

اليوم نرى اعتلاء أسماء على ساحة الدراما من غير المتخصصين، مثلا رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فقد يرى أحد المخرجين أن احد المشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي جدير بأن يتولى دورا في مسلسل ما، ما رأيك بهذه التجارب؟

• إذا كان الشخص يملك الموهبة في المجال فما المانع؟ طالما خاض مذيعون مجال التمثيل، وكذلك لاعبو كرة القدم، هي مواهب موجودة عند الكثير وليس عند المتخصصين فقط، كشفت ساحة الإعلام عنها، وكشفت الساحة الرياضية عنها، واليوم تكشف عنها مواقع التواصل الاجتماعية، التجارب تلك بمثابة مختبر وهناك من يثبت نفسه، نعم نؤمن بالتخصصية، ولكن إن كانت الموهبة موجودة فليس هناك مانع أبدا، نجوم مواقع التواصل الاجتماعي قد تستفيد من شهرتهم في تسويق العمل، وليكن في المعلوم أن ليس كل الفنانين الخليجيين اليوم متخصصين، ولا حتى كل الممثلين على المستوى العالمي، الموهبة هي الأساس، فلو لم تكن الموهبة موجودة فلن تفلح الدراسة ولا التخصصية في صناعة النجومية أبدا.

متى يعتذر يوسف بوهلول عن عمل فني؟

• اعتذر إذا كان يخالف معتقدي، ويخالف الذوق العام للمجتمع، وكذلك إن كان العمل سطحيا لا يليق بتاريخي الفني، كثير من الأعمال قد اعتذرت عنها فعلا، وعندما شاهدتها لاحقا، رأيت أنني كنت قد أصبت بالاعتذار، دائما أنظر إلى الجودة والمعايير قبل المشاركة في أي عمل، أما من ناحية الأجر فللأسف الأجور شحيحة لذلك لا ننظر إليها، ولكن هناك للأسف بعض المنتجين يستغل فكرة أن الفنان لا يشتغل كثيرا فيبخس حقه لذلك أرفض العمل معه، وحقيقة من أكثر الجزئيات إزعاجا بالنسبة لي هي التفاوض في الأجر.

لماذا نفتقد الأعمال الخليجية المشتركة؟

• كان هناك إنتاج ثري لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية سابقا، ولكن اليوم لا نرى دورا لهذه المؤسسة، أو هناك غياب لها، رغم أن المؤسسة لا زالت قائمة، كانت المؤسسة رائدة وانتجت أعمالا كثيرة بقيت في الذاكرة منها مسلسل "أولاد بو جاسم" الذي ضم نجوما من الخليج وذلك في عام 1994، نتمنى أن تعود المؤسسة إلى الإنتاج وأن يعود هذا الزخم.

ما هي رؤيتك للحراك المسرحي العماني؟

• الحراك المسرحي العماني مؤثر ومهم، لطالما كان حاضرا في العديد من المهرجانات المسرحية العربية، ولطالما حقق فرجة ممتعة وصنع فارقا، التجارب العمانية لها بصمة فريدة، مثلا المخرج العماني يوسف البلوشي، والمخرج عماد الشنفري، وغيرها من الأسماء، التي إن شاركت فلا ترضى أن تقدم إلا عملا مميزا بشهادة الجمهور والمتخصصين على حد سواء، المسرح العماني أنا احبه كثيرا، لما يقدمه من فكرة تمتزج بالثيمة العمانية من خلال توظيف الفنون الشعبية، أو الموروث العماني الغني، هو مسرح محافظ على الموروث، وهناك متخصصون في السينوغرافيا منهم -كما أشرت- المخرج يوسف البلوشي الذي يعد اليوم واحدا من الأسماء المهمة في الوطن العربي.

ماهي رسالتك التي تبعثها عبر جريدة عمان؟

• رسالتي للشباب الذين دخلوا المجال الفني، أنتم من يواصل مسيرة الفن الخليجي، عليكم الصبر والتحلي بالروح الإيجابية، والاطلاع المتواصل بمفهومه الواسع، من خلال القراءة، من خلال مشاهدة الجديد، من خلال حضور الندوات والمهرجانات والجلسات الفكرية، من خلال الخوض في التجارب المختلفة التي تصقل الموهبة وتكون مساحة واسعة من الخيال، ودائما أعول الخير على الشباب.