العدد 5230
الأربعاء 08 فبراير 2023
banner
فرنسيس وإفريقيا... الرجاء وبناء السلام
الأربعاء 08 فبراير 2023

لعله ما من قارة بحاجة إلى المصالحة الداخلية، بقدر القارة الأفريقية، تلك التي أضحت في حاضرات أيامنا ساحة لحروب الوكالة والصراعات الأممية. الذين لديهم علم من كتاب الصراعات الجيواستراتيجية حول العالم، يدركون ما يحدث على أرض القارة السمراء، من تكالب الأمم، ولا نذيع سرا إن قلنا إن الأقطاب الدولية القائمة والقادمة، باتوا في صراع شديد حول موقع وموضع أفريقيا، ناهيك عن مواردها البكر حتى الساعة، وفرص التنمية العميقة الكائنة في دروبها، والتي تتمتع بها القوى الإمبريالية الدولية، في حين يظل أبناؤها في عوز وفقر، جهل وصراعات. هل هناك من يريد لأفريقيا أن تظل هكذا؟
ابحث عن المستفيد، على حد التعبير اللاتيني، ولهذا جاءت زيارة البابا فرنسيس الأسبوع الماضي، إلى الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، لتستلفت انتباه العالم تجاه ما يجري هناك، وغالب الظن ما يمكن أن تشهده تلك القارة في قادم الأيام، وبنوع خاص في ضوء إعادة رسم خارطة للعالم الجديد مرة أخرى. لعل البابا فرنسيس القادم من الأرجنتين، هناك حيث قارة أميركا اللاتينية تكاد تشابه أفريقيا في مأساتها، كان الأكثر مقدرة على الشعور بمآسي شعوب تلك القارة.
الذين لديهم علم من كتاب الصراعات الأفريقية طوال النصف الثاني من القرن العشرين، يدركون كيف وقع الأفارقة ضحية لأطماع الأوروبيين بنوع خاص، واليوم تتكالب عليها الصين وروسيا والولايات المتحدة، والجميع يريد عسكرة المشهد، ومن وراء ذلك السطو على مقدرات القارة ومواردها الطبيعية، ولهذا تظل حالة الاضطراب السياسي مستمرة ومستقرة في ربوعها، سهولها ووديانها، من أقصى الشرق عند السودان، إلى جنوب أفريقيا، حيث عودة أصوات العنصرية تزعج الكثيرين.
حمل فرنسيس خلال رحلته للبلدين دعوة لإحياء الرجاء، ولإعادة بناء السلام، معتبرا أن الرجاء الكلمة التي يريد أن يتركها لكل فرد من شعوب أفريقيا، كعطية يتقاسمونها، وكبذرة يزرعونها في أراضيهم، لتثمر سلاما وتعايشا. في عقل فرنسيس كان هناك - ولا يزال - إدراك واع للصراعات الدائرة، وللدمار الناجم عن العنف البشري، هذا بخلاف الألم الذي ولدته غضبة الطبيعة كالفيضانات والعواصف، الأمر الذي اضطر الملايين بمن فيهم الكثير من الأمهات والأطفال، لمغادرة أراضيهم، وترك قراهم وبيوتهم. 
من كينشاسا وجوبا جدد فرنسيس الدعوة لوقف كل صراع، وطالب بأن يعود الجميع بجدية إلى عملية بناء السلام، حتى ينتهي العنف، ولكي يستطيع الناس أن يعودوا ليعيشوا بكرامة. 
أكد فرنسيس في كل كلماته التي وجهها خلال الزيارتين، وفي حضور السلطات المدنية، والقيادات الدينية، على أنه من خلال الاستقرار والعدل فقط، يمكن أن تبدأ أعمال التنمية والاندماج الاجتماعي. 
إلى متى يمكن لأفريقيا أن تعيش شعوبها على حد السيف؟
هذا ما لفت إليه فرنسيس، قاطعا بأن المستقبل لا يمكن أن يكون في مخيمات النازحين، إنما هناك حاجة ماسة لأن يكون لكل الشبان الإمكانية لأن يذهبوا إلى المدارس، وأن يلعبوا كرة القدم.
الأفارقة بحسب بابا الفاتيكان مدعوون للنمو في مجتمع منفتح، الكل يختلط معا، وأن يكونون شعبا واحدا، من خلال تحديات الاندماج، وتعلم جميع اللغات المحكية في جميع أنحاء البلاد، وعدم الوقوف عند بوابات الأعراق والمذاهب التي تفرق ولا توفق.
ذهب فرنسيس إلى أفريقيا، والجميع قلق على حالته الصحية، وأسئلة الاستقالة تطارده، غير أنه ترك للأفارقة رسالة ومثالا في "سر المصالحة"، إن أرادوا القفز فوق الماضي.

كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .