العدد 5225
الجمعة 03 فبراير 2023
banner
مصيبتي الكبرى أنني دخلت الصحافة من باب الأدب
الجمعة 03 فبراير 2023

قبل دخولي عالم الصحافة قبل 27 عاما، كانت كل مداركي وقدراتي العقلية متجهة ناحية القصة القصيرة، ترعرعت في كنف بلزاك وفولبير وديستوفيسكي وتولستوي وغيرهم، وكان حلمي الظفر بمكانة أدبية وفكرية كالتي ظفر بها من سبقونا ومهدوا لنا الطريق، خصوصا أن التربة التي نبت فيها كانت بمثابة دفتر العشق والحب للأدب، لكن حدثت بعد ذلك انعطافات غير متوقعة رسمت لي معالم طريق جديد وعالم مختلف.. عالم راق وفي الوقت نفسه متعب ويخلع الروح، وهو عالم الصحافة.
قبل ندوة بداية الصفحات الثقافية في الصحافة المحلية اليومية البحرينية، التي تحدث فيها الصديق الشاعر فواز الشروقي، أرسل إلي قصاصة مقابلة مع الوالد محمد الماجد رحمه الله حينما كان مشرفا على الصفحة الثقافية في أخبار الخليج منتصف السبعينات، ووجدت فيها فقرة فتحت الذاكرة والزمان ليعود بساعته الخزفية ويقول لي.. لقد شربت من نفس النبع.. دخلت الصحافة من باب الأدب.. كوالدك!
يقول والدي رحمه الله “كانت مصيبتي الكبرى أنني دخلت الصحافة من باب الأدب، وبعد فترة وجدت نفسي صحافيا، غارقا في عالم لا يرحم، طوال سبع سنوات ورغم أنني أفتخر بما كتبته في تلك الآونة، إلا أن صراعا عنيفا كان يدور في نفسي، كان الأمر يتلخص في هذا السؤال.. من أنا؟ صحافي يركض وراء الخبر، وراء التحقيق، بل وراء المشاكل والمتاعب، أم قصاص يوظف كل طاقته لما يريده هو.. فاشلا كان أم موفقا.. كان الصراع عنيفا لكنه انتهى على خير، فقد انتصر القصاص، أو الأديب - إذا لم تكن هذه الكلمة ثقيلة على أسماع المخضرمين، وبعد صدور مجموعتي القصصية الأولى “مقاطع من سيمفونية حزينة” توقفت عن الكتابة، وتزوجت الأسفار، وحفرت هذا السؤال في صدري: هل لي مكان على الخارطة القصصية في البحرين؟ وسؤال آخر: ماذا بعد مقاطع من سيمفونية حزينة؟ العملية إذا، أولا وأخيرا عملية تأمل ومراجعة، بكل ما يصحب ذلك من ألم وحزن واغتراب”.
ونفس السؤال طرحته على نفسي بعد صدور كتابي الأخير “أبواب عالقة.. أحاديث في الثقافة والفنون”، ماذا بعد؟ كل شيء كان يرعبني، يبعث داخلي شعورا مثل البكاء ومثل الجوع. ترى.. من فينا السر الأكبر.. أنا أم أبي.
كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .