العدد 5194
الثلاثاء 03 يناير 2023
banner
مصر والبحرين.. خطوط ثقافية فاصلة
الثلاثاء 03 يناير 2023


العلاقات الثقافية بين البحرين ومصر ممتدة جذورها إلى أعماق التاريخ، من حيث التبادل التعليمي والثقافي والأدبي والشعري والفني، والتي بدأها حاكم البحرين الراحل الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة عندما أرسل وسام البحرين إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، والذي سلمه إياه شاعر البحرين الكبير الراحل الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة.
منذ ذلك الوقت وربما قبله فإن البعثات التعليمية المصرية لم تتوقف قوافلها في الاتجاه نحو البحرين، وشهدت العلاقات في هذا المجال تطورًا كبيرًا فيما بعد عندما شملت مختلف أوجه الحياة المعاصرة، وقد تم تتويج هذا كله بعلاقات دبلوماسية رائعة وحميمة يلتقي فيها القائدان ملك البحرين المعظم والرئيس المصري على الخير دائمًا.
مؤخرًا قرأت ذلك الاهتمام الكبير في أجهزة الإعلام البحرينية بالكاتب الأستاذ وائل لطفي رئيس تحرير جريدة الدستور، عندما أصدر أيقونته الأخيرة "اسمي مصطفى محمود" حيث تجلى هذا الاهتمام في الشخصية المؤثرة التي لم يخرج بها الكاتب وائل لطفي من الظلمات إلى النور، لكنه حمل معها مشاعل التنوير ليس من أجل إلقاء الضوء على شخصية نالت حظها من الجدل مثلما حظيت بتأكيد الأثر ربما على جيل بأكمله في سبعينيات القرن الماضي. وبعيدًا عن حالة الهرج والمرج التي تخللت حقبة السبعينيات من القرن الماضي، والتي أصابت ما أصابت وودعت ما ودعت من فكر ستيني "تقدمي" لصالح تيار ديني هو في حد ذاته ما كان يريد الكاتب الكبير وائل لطفي أن يلقي به كحجر أكبر في بركة مياه راكدة منذ سنوات، وهو في حد ذاته ما أخرج المكنون من صندوقه والضمير المستتر من لغته الحية ليصبح الدكتور مصطفى محمود بعلمه وإيمانه دليلًا دامغًا ورمزًا بالغًا للعشرات من الذين حاولوا السباحة ضد تيار الستينيات أمثال الجماعات التي خرجت والأخرى التي اندثرت.
وائل لطفي هنا يبحث في شخصية مصطفى محمود من خلال رمزية سردية ورواية عصرية حاولت أن تجسد شخصية أثرت في جيل كامل من خلال برنامجه التلفزيوني "العلم والإيمان" وعن طريق العديد من الكتب العلمية والثقافية والأدبية. 
ومما لا شك فيه أن مملكة البحرين مثلما هو معلوم لدينا تنتقل إليها هذه التيارات الفكرية من خلال مؤلفات المؤثرين التي كان من بينها "اسمى مصطفى محمود" بأدبياته الفكرية وأفكاره الإبداعية، ما جعل من وائل لطفي بقدرته وتنظيم تفكيره أن يمس الخطوط الفاصلة لهذا المفكر الكبير، وأن يشرح ما جاءت به موسوعته النادرة التي ربطت بين التكنولوجيا المتقدمة وعشرين آية قرآنية استبقت زمانها ومكانها، وذلك التطور التكنولوجي الهائل الذي حققته العلوم الحديثة وآذى بها.
عندما بدأ الكاتب الكبير وائل لطفي سلاسله الفكرية من خلال مؤلفات حظيت بالتماس المباشر مع تاريخنا المعاصر، وذلك الذي لم يكتب بالدقة المطلوبة فإنه في كتابه "ظاهرة الدعاة الجدد" الذي فاز بجائزة الدولة التشجيعية كان يريد أن يقول إن باب الاجتهاد الذي ظل مفتوحًا على مصراعيه لابد أن يتحلى بالمضامين القيمة أكثر مما يثير من إشكاليات فقهية قد تقلب السحر على الساحر وتمضي إلى حال سبيلها.
ففي الوقت نفسه المؤلف كان يرى أن باب الاجتهاد أيضا لا يمكن له أن يغلق على عنايته، ولابد أن يفتح بعناية فائقة وألا يترك سداحًا مداحًا بين أيادي غير المختصين، خصوصا أن الرجل من الكتاب المستنيرين الذين يقبلون بالرأي الآخر ويحاولون دائمًا فتح الدروب المغلقة ليس بمواربة الأبواب، إنما بإتاحة فرصة الاجتهاد أمام الجميع.
من هنا كان لابد لنا أن نعود إلى "اسمي مصطفى محمود" متنبئة بأنه لن يكون اسمه الأخير، حيث إن الذي يعرف المؤلف جيدًا يفهم أنه ضربة بداية لمشوارٍ طويل.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .