قبل أسابيع قليلة تناولنا في هذا المكان تجربة نجيب محفوظ الأولى والأخيرة في الحُب، والتي كانت من طرف واحد وقد حكاها لكاتب سيرته رجاء النقاش، وقلنا: " أنه في صباه أثناء لعبه مع أترابه كرة القدم في العباسية خفق قلبه نحو فتاة جميلة تكبره بسبع سنوات كانت تطل من شرفة بيتها يومياً، وأستمر حُبه لها حتى الأربعينيات من عمره،ولشدة تأثره بها جعلها إحدى شخصيات "قصر الشوق" ممثلة في دور عايدة".
لكن "محفوظ" لم يتسن له التعارف عليها أو الزواج منها، ورفض كل الزيجات التي عرضتها عليه والدته، ولجأ إلى الزواج سراً، على الطريقة التقليدية، ولم يفصح عنه إلا بعد بضع سنين جعلها الكثير من الكتّاب عشراً ! ولكي لا نعيد أجترار الكلام عن قصص نجيب محفوظ مع الحُب، أو نستغفل القاريء لنستل فقرة من هنا أوهناك، من هذا المصدر أو ذاك المقال،قد يكون من المفيد التذكير هنا بأن ثمة مصادر وفيرة فيما كُتب عن الحُب في التراث العربي، قديمه وجديده، ومما لاشك فيه أن أكثرها جاذبية للقارىء العربي تلك المتعلقة بغرام الأدباء ونجوم السينما. ولعل أشهرها من التراث القديم كتاب"طوق الحمامة في الألفة والألّاف للإمام الفقيه إبن حزم الأندلسي". ومع أن ثمة طبعات عديدة متعاقبة صدرت لهذا الكتاب الممتع القيّم، إلا أن الطبعة التي صدرت عن دار الهلال، مايو 1992، هي الأمتع في تقديرنا، سيما أن من ضبط نصها وحرر حواشيها هو الأستاذ والناقد الأدبي الكبير الدكتور الطاهر أحمد مكي، وقد عُد هذا الكتاب أروع ما كُتب عن الحُب في التراث العالمي في العصر الوسيط.
ولعل واحداً من أظرف فصوله ما جاء تحت عنوان " علامات الحُب"، ومن أمثلتها إدمان النظر للمحبوب، والإقبال على محادثته، وموافقته في كل ما يقوله، والاسراع إلى المكان الذي هو فيه، وتعمد الدنو منه.
كما يُعد كتاب"غرام الأدباء" للكاتب المصري عباس خضر، والصادر عن دار المعارف عام 1956، هو الآخر على درجة من الأهمية للباحثين أوالقراء الذين يستهويهم ويطيب لهم هذا الصنف الخفيف المسلي من القراءات، وإن أقتصر فيه كاتبه على تناول ثمانية اُدباء فقط، أستعرض تجاربهم الغرامية الأولى البريئة التي جرت جلها في سني الصبا والمراهقة، وهم كل من: طه حسين وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد ومحمود تبمور، وأحمد حسن الزيات ومحمد فريد أبو حديد محمود سعيد العريان وكامل الشناوي. وفي تراثنا العربي المعاصر غير البعيد، ثمة مؤلفات عديدة متنوعة صدرت عن مسائل الغرام بشتى ضروبه، من أشهرها على سبيل المثال لا الحصر: "ديوان الحُب العربي" لمحمد سعيد إسبر و"أحلى 20 قصيدة في الشعر العربي لفاروق شوشة، و"الحُب في التراث العربي" و"أجمل ما قاله نزار قباني في الحُب والغزل"، و" الحُب عند العرب للعلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا" و" الموسع في أروع ماقيل في الحُب والغزل" لاُستاذنا العلاّمة اللبناني إميل ناصيف، ومن حُسن ما جاء في مقدمته : أن العاشق يتطهر بحُبه، فلا يؤذي حبيبه، ولايقوم بمايسيئه، بل يضحي من أجله، ولا يقوم بما يشين، بل يفعل بما يرضي الحبيب كي يحوز على حُبه ورضاه .