+A
A-

أم حمار (قصة قصيرة) من أدب ما وراء الطبيعة

في يومٍ مشمسٍ تنهدتُ بعمق وأنا أستلقي تحت ظِل النخلةِ بِحوش بيتي، أغمضتُ عينيّ بِفعلِ لهيب الشمس وأنا أشعرُ بكمٍ هائلٍ من التعبِ والإرهاق، مسحتُ العرق المتصبب عن جبيني متأملاً سعفاتِ النخيل المتراقصة بفِعلِ الرياحِ الحارّة. 
إن عملي بالزراعةِ يومياً مضني جداً لكنني أجد فيه مُتعتي وسعادتي الأبدية، ففي كل صباحٍ أحرثُ هذه الأرض وأنثرُ عليها الحبوبَ ثم أسفيها بالماءِ لامتع ناظريّ بمشهدِ ولادةِ نباتاتي وثِماري.
نهضتُ لأغتسل ثم خطيتُ إلى فراشي، ولم تمرُ ثوانٍ حتى غططت في نومٍ عميق.
وما هي لحظاتٌ حتى رأيتُ فتاةً تدخل إلى الحوش خلسةً لتسرِق الثِمار، كانت تلتفتُ يمنةً ويسرة وهي تلتقط ما تشاءُ بحذر شديد.
صحتُ بها: 
- ماذا تفعلين هنا؟! 
رمقتني بنظرةٍ غريبة وهي تبتسمُ ابتسامةً شيطانيةٍ مُخيفة، اطبقتُ شفتيّ ولم أستطع النطق، فوجئتُ بِها تهرول هاربةً، ولكن مهلاً.. 
لقد لمحتُ شيئاً غريباً شد انتباهي..
لقد بدت لي إحدى قدميها وكأنها.. 
وكأنها.. قدم حِمار!
تملكني الرعبُ والخوفُ وقلتُ في نفسي: 
- اليست هذِهِ هي أم حمار التي كانت تحدثنا عنها نساء الحي ونحن صغاراً؟ 
ايعقل أنها حقيقية؟!
أبو أحمد.. أبو أحمد.. 
استيقظتُ مذعوراً، وضعت أم أحمد يدها على كتفي وهي تقول: 
- ماذا حل بك يا رجل؟ هل رأيت كابوساً؟
اعتدلتُ بجلستي وأنا ازفر بقوة، مسحت العرق المتصبب على وجهي بيدٍ مرتجفه، قلت لها بصوت مضطرب: 
- الزرع.. الزرع يا أم أحمد.. لقد رأيت أم حمار تسرق ثماري منه!
ضحكت وهي تقول:       
- يا الهي.. يبدو أن عملك طوال النهار تحت اشعة الشمس قد ذهب بعقلك.. لقد كان حلماً يا رجل، أنت تعلم جيداً بأن أم حمار ليست سوى خرافة كانت تحكيها لنا الجدات.
ربتت على كتفي بِحنان وهي تستطرد: 
- استرح قليلاً لاحضر لك الغداء.
ثم غادرت المكان. 
ذهبتُ إلى الحوش وفتحت الحنفية، ملئت كفيّ بالماء لأغسل وجهي، تنهدت بعمق وأنا افكر بحديث أم أحمد، حملتُ الهوز لاثبت طرفه بقوة في الحنفية، ثم مسكتُ بالطرف الآخر لأرميه ناحية النخل، تأملتُ نبتات الطماطم المتسلقة وعلى الجانِب الآخر نبتات البقل والنعناع والبربير، لمحتُ شيئاً لفت نظري، خفق قلبي بعنف وأنا أتمنى بقرارة نفسي بأن ما تراهُ عيناي ليس حقيقياً! 
اقتربتُ ببطء نحو الزرع لأجِد آثاراً لأقدامٍ بشرية و أخرى لحمار!