+A
A-

القاضي في السينما الأمريكية..قبح وغرائب

من يتعمق في السينما الأمريكية سيكتشف السلبية السوداء والنظرة الغريبة وغياب المنطق في كثير من الأفلام المليئة إلى حد التخمة بتشويه صورة من يفترض أن يكون في منزلة مرموقة كالقضاء مثلا، فالصدفة وحدها جعلتني أشاهد فيلما يعود إنتاجه الى العام 1996 للفنان ريتشارد جيير بعنوان" الخوف البدائي" عبر منصة " نتفليكس" وهو فيلم جريمة وإثارة ويحكي قصة محامي الدفاع مارتن فيل " جير" الذي يدافع عن صبي ، هاورن ستامبلر" نورتون" بتهمة قتل احد الأساقفة الكاثوليك.

تتوالى أحداث الفيلم من السجن إلى قاعة المحكمة، وبعد إحدى الجلسات والمرافعات، تتجه القاضية بزيها المعهود وهيبتها وقامت بالدور الفنانة " الفري وودارد" إلى مكتبها للاستراحة وتستدعي المحامي مارتن فيل للنقاش، ثم تبدأ في احتساء الخمر وتقدم كأسا أخر لمارتن.

هنا وفي هذا المشهد والقاضية تحتسي الخمر في المحكمة، وجهت السينما الأمريكية أشرس إساءة لمهنة القضاء لا يستطيع عاقل ان يتحملها، ولكن السؤال المطروح ..هل ما نراه في السينما الأمريكية هو الموجود في أمريكا بالفعل؟ من المستحيل ان كاتب السيناريو والمؤلف على اعتبار ان الفيلم مأخوذ عن رواية وليام ديل صدرت عام 1993  قد مرت عليه هذه السقطة المخزية والتخلف الفكري والفني، وهل معاقرة الخمر في أروقة المحاكم الأمريكية شيء مباح كما فهمنا من الفيلم، والرقابة لا تعد عائقا يهدد الحرية في المفهوم الأمريكي

الحق في التعبير الحر هو حق مجتمعي، ولكن ما قدمه هذا الفيلم تجاوز الأخلاق والمثل وفيه احتقار للتقاليد المتعارف عليها في مختلف الثقافات والمتعلقة بمكانة القضاء في المجتمع، ونحاول ان نستنتج موفقا محددا للقاضي الأمريكي كما تراه هذه السينما وردود فعلها تجاه ظاهرة شرب الخمر في المحكمة.

لم يذهب بعيدا الكتاب الذي أصدره مايكل ميدفيد " هوليوود ضد أمريكا..الثقافة الشعبية والحرب على القيم التقليدية" في التسعينات والذي احدث ضجة كبيرة في وصفه وتحليله للأفلام الأمريكية وبالعناوين المثيرة " مصنع السموم" ، " الهجوم على الدين" العدوان على العائلة"، تمجيد القبح" حتى ان هذا الكتاب لعب دورا في سقوط " جورج بوش" إذ اعتمد عليه هو ونائبه " دان كويل" في حملتهما الانتخابية التي أقاماها على أساس الحفاظ على قيم العائلة الأمريكية ومثلها العليا المهددة بما تبثه أجهزة الإعلام، وكان تركيز الحملة على خطر التلفزيون ولا سيما برامج النجمة " كانديس برجن" والذي تدعو فيه الى تحرر المرأة من فكرة الزواج، وثانيا أفلام هولييود لما تنطوي عليه من أفكار منحطة. وبطبيعة الحال أهاج ذلك الاستغلال للكتاب النذير ملوك السينما وتحركوا في حملة دعائية ضارية ضد بوش ونائبه ولصالح خصميهما " بيل كلنتون" و " آل جور" وبحكم تأثير النجوم الكبار على الرأي العام في أمريكا، كان الفوز من نصيب كلينتون.

وكما كتب مصطفى درويش في مجلة الهلال العدد الخاص التذكاري " 100 سنة سينما"  ان رسالة هولييود الى العالم قاتمة اقرب الى السواد، يستبد بها القبح وغرائب الانحرافات تكاد تعادي معظم آمال وتوقعات الناس، فأفلامها غالبا ما تهاجم مؤسسة الزواج، تسخر من الأديان، تمجد العنف، تحتقر السلطة.