العدد 5002
السبت 25 يونيو 2022
banner
وزارة الإسكان.. وذوو "الاحتياجات الخاصة"
السبت 25 يونيو 2022

رغم مرور نحو ربع قرن على إحلال مصطلح "ذوي الاحتياجات الخاصة" محل مصطلح "المعوقين" تقديراً لما تتحلى به كثرة منهم من ملكات إبداعية في النبوغ والموهبة في مجالات شتى، إلا أن كلا المصطلحين - في تقديري - إشكاليان، فالثاني لا يكاد يختلف عن الأول في دلالته على الخصوصية، علماً أن عطاء جمهرة منهم يعتمد على جهودهم الذاتية المتواضعة، رغم ما تنجزه من إبداعات واختراعات علمية تفوق في كثير من الأحيان "الأسوياء" ودون أن يتلقوا سوى أدنى القليل من التشجيع والدعم من المؤسسات العامة في مجتمعاتنا العربية، دع عنك المؤسسات الخاصة، بل ليس سراً القول إنهم في مجتمعاتنا العربية الأكثر عرضةً لضروب التمييز المعروفة التي تطال "الأسوياء". 

خذ مثلاً نابغة العرب في تاريخنا الحديث طه حسين (1889 - 1973) فلولا ثمة مصادفات هُيئت له تضافرت مع إرادته الفولاذية التي لا تعرف القنوط لما تبوأ تلك المكانة السامقة في سوح الأدب واللغة، حتى وصلت إلى توزيره وزارة مهمة حساسة (التربية والتعليم)، هو الذي كم عانى من صنوف الظلم والتهميش في عصره من قِبل مجايليه، وتفجير المعارك الهامشية تلو المعارك ضده؛ لإشغاله عن رسالته العلمية التي نذر نفسه وحياته لها من أجل رقي شعبه وأمته، وليس من قبيل الصدفة أن صدّر كتابه الرائع "مع أبي العلاء المعري في سجنه" بهذا الإهداء: "إلى الذين لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس" ليصفع به المصابين من "الأسوياء" بداء الغيرة والغرور ومركب النقص من منافسة الآخرين لعظمتهم الأحادية ونجوميتهم، ولو كانوا عباقرة من "ذوي الاحتياجات الخاصة" بدلاً من أن يفرحوا بمواهبهم المتميزة.

ومع أن طه حسين المثال الأبرز في عالمنا العربي في اجتراح معجزة تحدي "الإعاقة" إلا أن ثمة نماذج عديدة مشرفة - بدرجات متفاوتة - في كل مجتمع عربي خسرتهم أوطانهم؛ لغياب البيئة الحاضنة لكفاءاتهم وتنميتها، ولئن كانت أعداد منهم تحظى بالرعاية في مجتمعنا - أياً تكن درجتها - فإن نماذج غير قليلة ما برحت تعمل بصمت وبحاجة إلى اهتمام أكبر

من هذه النماذج التي قُيض لي معرفتها عن قرب الصديق ياسر أمير رجب المشرف على "مجلس أمير بن رجب الثقافي". ياسر رجب رجل عصامي يبلغ الآن أوائل الخمسينيات من عمره، تعرفت عليه غداة إطلاقه المرحلة الثانية من تأسيس مجلس والده المرحوم أمير بن رجب في 2014 بتحويله إلى صالون أو مجلس ثقافي، ووجدته منذ تعرفي عليه حلو المعشر، رقيق الشمائل، شديد التواضع والحياء، لكنه مثقف كبير متعدد المواهب، فهو عاشق لتراث وطنه، مُغرم بالتوثيق والوثائق التاريخية، ومحب للموسيقى الراقية، فمع إشراقة كل صباح جديد يتحفنا بصورة مميزة من بيئة وطنه مطرزةً بحكمة أو مقولة مأثورة تتخللها مقطوعة موسيقية عذبة، وقد بذل قصارى جهوده لأن تكون الانطلاقة الثانية لمجلس المرحوم والده تحمل سمة ثقافية مميزة تعود بالنفع على المجتمع، من خلال استضافة وجوه من كبار المثقفين والمثقفات في شتى حقول المعرفة، وإذ فتح المجلس بابه للحضور من كلا الجنسين، فقد تمكن هذا الصالون في سنوات قليلة أن يبرز وأن يحفر له مكانا متميزاً على خريطة أعرق مجالسنا الثقافية المعروفة، كما حققت فعالياته نجاحاً كبيرا ترجم نفسه في حرص كثرة من المثقفين والمهتمين بتنوع موضوعاتها على حضورها.

شخصياً لمست ما يقوم به من جهود مضنية لتطوير المجلس من خلال استئناسه في كثير من الأحيان برأيي المتواضع عند التحضير لفعالياته، ولا أبالغ إذا ما قلت إن جهوده المثمرة غدت أشبه بالمؤسسة القائمة بذاتها، بالنظر لما يتوخاه من حرص شديد على تحقيق النجاح الأكمل لكل فعالية، ولطالما شعرت بفرط سعادته عندما يحقق هذه الغاية بعد نهاية كل ندوة. لكن من يعلم ان هذا الإنسان وبكل ما يملك من طموحات ثقافية كبيرة لخدمة وطنه مازال بلا بيت يؤويه ،على الرغم من مضي سنوات طويلة على طلبه! 

ولا يسعنا في الختام سوى مناشدة وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ممثلة بالدرجة الأولى في وزيرتها الجديدة الشابة آمنة بنت أحمد الرميحي، بأن تكون هذه الشريحة على رأس أولوياتها في الخدمات الإسكانية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية