العدد 4995
السبت 18 يونيو 2022
banner
الانتخابات الفرنسية والنظام الديمقراطي العالمي
السبت 18 يونيو 2022


أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات النيابية الفرنسية عن مفاجأتين: الأولى تتمثل في صعود اليسار المؤتلف في "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" بقيادة جان لوك ميلنشون، كقوة وازنة بعد انحسار طويل عن الساحة السياسية، وبات يعوّل على الجولة الثانية غداً عبر جذب الممتنعين عن التصويت في الأولى، وتشير أغلب التنبؤات إلى أن هذا الائتلاف سيغدو معارضاً قوياً للرئيس إيمانويل ماكرون، أما المفاجأة الثانية - وهي بيت القصيد في حديثنا - فتتمثل في امتناع نسبة عالية من الناخبين عن التصويت (8 ‘52 %) ما يبعث القلق على مستقبل تطور النظام الديمقراطي العالمي، إذا ما علمنا بتكرر نتائج مقاربة إلى هذه النسبة في دول غربية عديدة ذات تقاليد عريقة في الممارسة الديمقراطية. فإلى أي مدى يصح القول بأن تواتر مثل هذه النسب نحو انخفاض نسبة المصوتين في نتائج الانتخابات التشريعية يشكل ظاهرة غربية وعالمية؟ وما هي دلالات هذه الظاهرة وانعكاساتها على النظام الديمقراطي العالمي والغربي خصوصاً؟ 
هل يمكن القول إنها ظاهرة عادية وستصححها آليات النظام الديمقراطي تلقائياً لتعاود النسبة الارتفاع تدريجيا كما حدث في محطات تاريخية عديدة منذ نشأة وتطور النظام الديمقراطي الحديث قبل قرنين ونيّف؟ ومن ثم ليس ثمة أبدع مما موجود؟ والحال إذا ما اتفقنا مقدماً بأن النظام الديمقراطي العالمي لم يولد بشكله الراهن المنجز بشتى صيغه، بل مر بمراحل من التطور، فذلك يعني لما يصل بعد إلى درجة الكمال، وأن ثمة ثغرات فيه لا تلبي طموحات الناخبين، فلا يمكن اعتبار عزوف نسبة كبيرة منهم عن التصويت تقارب النصف أو تفوق مسألة عادية في التمثيل البرلماني بل خللاً يعيب النظام الديمقراطي يستوجب التصحيح وتفادي مراكمته طويلا لتحقيق حد أدنى مما يُعرف بـ "السلم الاجتماعي" وضبط الصراعات الاجتماعية وتفادي انفجاراتها.
ومع أنه ليس كل الممتنعين بالضرورة هم أصحاب موقف من العملية الانتخابية والنظام الديمقراطي القائم، إذ بينهم اللامبالون بالمشاركة السياسية برمتها، ناهيك عن الكسالى وأصحاب الظروف الطارئة التي تحول دون وصولهم إلى مراكز الاقتراع، لكن الممتنعين جراء إحباطهم من جدوى الانتخاب كوسيلة للتغيير يشكلون بلا ريب في الأنظمة الديمقراطية الغربية الشطر منهم.  
وإذا كان من اللافت أن تلك الظاهرة الامتناعية غالباً ما تحدث في الدول الديمقراطية الغربية بالتوازي مع انفجارات واضطرابات اجتماعية - كما حدث ويحدث في فرنسا نفسها مهد الديمقراطية والقيم الليبرالية في العالم -  وكذلك في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي دول جميعها ذات دساتير مُثلى، وذات مجتمعات مدنية، وتعددية حزبية، وصحف حرة، وحريات عامة، وفصل حقيقي بين السلطات الثلاث، فهذا يعني أن مؤسسات النظام الديمقراطي القائم وآلياته لا تفي بطموحات الجماهير ومطالبها، وإلا فما حاجتها للتظاهر إذا ما كان النظام يلبي مطالبها ووفق السرعة المنشودة، لكن هذا ما لا يلتفت إليه المعنيون بالعملية التشريعية في مختلف مؤسسات النظام بغرض تطويره على الدوام، وبضمنها المؤسسات التشريعية والقضائية.
ولئن كان ما تقدم يصح في الدول الديمقراطية العريقة فمن باب أولى أن يصح في دول العالم النامية، حديثة العهد بالنظام الديمقراطي والعملية الانتخابية، والتي يُفترض أن تكون أكثر حرصاً على تطوير أنظمتها الديمقراطية لا تضييقها؛ لأنها ببساطة ما فتئت الأكثر عرضةً للانفجارات الاجتماعية.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية