العدد 4853
الخميس 27 يناير 2022
banner
كتاب “غاندي”.. الصدق المقدس الذي رسم طريق الهند
الخميس 27 يناير 2022

لعل أحدا لم يصور الربيع تصويرا صادقا واقعيا مثل الشاعر الفرنسي الكبير “بول جيرالدي” حين وصف الربيع بالشعور لا الألفاظ، وبالإحساس لا الكلمات حين قال “كم أحب الربيع لما جلبه لي من سعادة.. وكم أمقته لما تركه في نفسي من مرارة”.


ساعات مرت لم أحس بمرورها وأنا أقرأ كتاب “غاندي.. وقضايا العرب والمسلمين” للأستاذ عبدالنبي الشعلة، ففيه من المعلومات الكثيرة التي سجلها عن الرجل الفذ الذي غير مجرى التاريخ، والذي لا يجود بأمثاله الزمن إلا مرة في كل قرن “المهاتما غاندي”، كيف لا وهو من بلد العظمة التي أنجبت أيضا الشاعر “رابندرانات طاغور” والفيلسوف “رادا كرشنا”، والجميل في هذا الأثر الضخم أنه يستخلص منه الحكم والقيم الثابتة لنفس غاندي وموقفه من الإسلام الحنيف واحترامه فرائضه وعقائده وواجباته وآدابه، والأمانة الكبرى التي تركها غاندي كالمشاعل التي تنير طريق الأمم وهي التسامح والوحدة بين أبناء الوطن الواحد.


لقد قربنا المؤلف أستاذنا الشعلة في صحبته الأصيلة لغاندي من مواقفه الرائعة من العرب والمسلمين، وأفكاره وآرائه ومبادئه ضد كل أشكال العنف والتطرف والظلم والتفرقة، حتى يخيل إليك وأنت تقرأ أن الكلمة لا تنفرج عنها شفتاه إلا بعد أن تجوز في مخيلته بأدوار وأطوار، لا تقل في نظري عن أطوار الجنين التي يجتازها حتى يخلق بشرا سويا، لذلك تميز الكتاب بالصب المحكم والرشاقة النبيلة وتأريخ حوادث تاريخية مهمة تعكس الصدق المقدس الذي رسم طريق الهند وواحاتها الخضراء، لأن في يقين غاندي أن العالم اليوم ليس بحاجة قبل كل شيء إلى الحروب والنزاع، بل إلى رجال ذوي قلوب كبيرة تستطيع التعاطف والتسامح، فقد أنشأ وكما قرأت من كتب أخرى معاهد خاصة في الهند مهمتها تدريب العاملين في علوم عدم العنف، حيث كان الهندوس، والمسلمون، والسيخ، والمجوس، والمسيحيون، واليهود، يعيشون فيها ويؤدون عباداتهم في أخوة كاملة، بل لقد كان كل دين من هذه الأديان ممثلا في المعهد. وفي كل صباح ومساء تبدأ الصلاة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ومن البهاجافاد جيتا “تعاليم الهندوس”، ومن جرانتا صاحب “كتاب السيخ الديني”، ومن الإنجيل، ومن كتب البوذيين، كما ترتل الترانيم الدينية.. وهكذا كان المعهد رمزا مصغرا للوحدة التي كان ينشدها غاندي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .