+A
A-

توثيق مسيرة القضاء لأكثر من قرنين

يعتبر كتاب “تاريخ القضاء في البحرين” الصادر حديثا لمؤلفه رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة من المراجع المهمة في المكتبة البحرينية وحتى العربية، وقد تلقى الناس هذا الكتاب بكثير من الاهتمام؛ لأنه لون جديد من الكتب التوثيقية ويحتاج إلى جهد ووقت طويل من العمل، خصوصا وأن المؤلف صاحب خبرة واسعة وسيرته زاخرة؛ لكونه أحد الرجال الرواد في القضاء البحريني منذ العام 1966، تولى بعدها منصب وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية، ثم رئيس محكمة التمييز نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ثم مستشار جلالة الملك للشؤون القانونية، ثم نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ثم رئيسا له حتى الآن.
يتناول الكتاب المسيرة القضائية وملامحها وتطورها في البحرين منذ عهد المؤسس الشيخ أحمد الفاتح في العام 1783م وحتى بداية الثلث الأخير من العام الجاري 2021م. 

وفي‭ ‬تقديمه‭ ‬للكتاب،‭ ‬قال‭: ‬“لقد‭ ‬عقدت‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يغطي‭ ‬الكتاب‭ ‬زمنا‭ ‬يقع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1783‭ - ‬2021‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬دخول‭ ‬عائلة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الكرام‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬المؤسس‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الفاتح‭ ‬ككيان‭ ‬عربي‭ ‬إسلامي،‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬لها‭ ‬خصوصية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬بسبب‭ ‬حجم‭ ‬التحولات‭ ‬والتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والدينية‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬وقد‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يقتصر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬ظواهر‭ ‬القضاء،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬تأثيراته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتفسيرها،‭ ‬فالبحث‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬هو‭ ‬طلب‭ ‬الشيء‭ ‬وإثارته‭ ‬وفحصه،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬باستقراء‭ ‬تاريخي‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬الاستنباط‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وألا‭ ‬نكتفي‭ ‬بالأشياء‭ ‬المجردة،‭ ‬أو‭ ‬التطبيق‭ ‬دون‭ ‬المبدأ؛‭ ‬كي‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬تكون‭ ‬جلية‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭.‬

لقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬تأليفه‭ ‬أولا،‭ ‬على‭ ‬الخبرة‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬اكتسبتها‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1966م،‭ ‬إذ‭ ‬امتد‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬القضائي‭ ‬37‭ ‬سنة،‭ ‬وثانيا‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المراجع‭ ‬والمخطوطات،‭ ‬سواء‭ ‬الموسوعات‭ ‬أو‭ ‬البحوث‭ ‬المنشورة‭ ‬وغير‭ ‬المنشورة‭ ‬والكتب‭ ‬المعربة‭ ‬أو‭ ‬الأجنبية‭ ‬أو‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬وغيرها؛‭ ‬وذلك‭ ‬لتعضيد‭ ‬الكتاب،‭ ‬ومنحه‭ ‬الصدقية‭ ‬والاعتبار”‭.‬

المقدمة

وقدم‭ ‬المؤلف‭ ‬كتابه‭ ‬بمدخل‭ ‬تاريخي‭ ‬اجتماعي‭ ‬عميق‭ ‬للبحرين‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬والتاسع‭ ‬عشر؛‭ ‬لكون‭ ‬تطور‭ ‬القضاء‭ ‬مرتبطا‭ ‬بتطور‭ ‬المجتمع،‭ ‬واستعرض‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬المؤسس‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الفاتح‭ ‬وحكام‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1783‭ ‬إلى‭ ‬1869م،‭ ‬مع‭ ‬توصيف‭ ‬دقيق‭ ‬لأنظمة‭ ‬القضاء‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬آنذاك،‭ ‬متناولا‭ ‬نموذج‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وطابعه‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬تفرد‭ ‬به،‭ ‬والدور‭ ‬المحوري‭ ‬لآل‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والزبارة،‭ ‬مع‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬فيه‭ ‬التقاضي‭ ‬ونسقه‭ ‬وإجراءاته،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬سواء‭ ‬المؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي‭ ‬المباشر،‭ ‬وهي‭: ‬القضاء‭ ‬الشرعي‭ ‬السني،‭ ‬والقضاء‭ ‬الشرعي‭ ‬الجعفري،‭ ‬وقضاء‭ ‬الحاكم،‭ ‬ومحكمة‭ ‬سالفة‭ ‬الغوض،‭ ‬ومحكمة‭ ‬دار‭ ‬الاعتماد،‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬العرفي،‭ ‬وأحكام‭ ‬الري‭.‬

 

النظام‭ ‬القضائي

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يتحدث‭ ‬المؤلف‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ودور‭ ‬المغفور‭ ‬لهما‭ ‬حاكمي‭ ‬البحرين‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ونجله‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬القضاء،‭ ‬مستعرضا‭ ‬التطورات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬آنذاك،‭ ‬مثل‭ ‬تأسيس‭ ‬التعليم،‭ ‬وتأسيس‭ ‬البلدية،‭ ‬واكتشاف‭ ‬النفط،‭ ‬وكيف‭ ‬أسهمت‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬النظرة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للحقوق‭ ‬بعد‭ ‬تطور‭ ‬أفهام‭ ‬الناس،‭ ‬وإدراكهم‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬عملية‭ ‬التقاضي‭ ‬ومأسستها،‭ ‬متناولا‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬عدة‭ ‬مثل‭ ‬القضايا‭ ‬والقوانين‭ ‬والأحكام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬بحق‭ ‬المدانين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬مرفق‭ ‬القضاء‭ ‬وتطويره،‭ ‬واستحداث‭ ‬بعض‭ ‬المحاكم‭ ‬والهيئات‭ ‬القضائية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين؛‭ ‬وهي‭: ‬المحاكم‭ ‬المشتركة،‭ ‬ومحاكم‭ ‬البحرين،‭ ‬ومحكمة‭ ‬الاستئناف‭.‬

كما‭ ‬يتناول‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬آلية‭ ‬تعيين‭ ‬القضاة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وتأسيس‭ ‬دائرتي‭ ‬الأوقاف‭ ‬السنية‭ ‬والجعفرية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬دائرة‭ ‬أموال‭ ‬القاصرين،‭ ‬والتطورات‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬تعزيز‭ ‬القوانين‭ ‬وكتابتها،‭ ‬وتطور‭ ‬الأنظمة‭ ‬القانونية‭ ‬والإدارية‭ ‬للمحاكم‭.‬

تطوير‭ ‬المحاكم

وفي‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يتحدث‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬عن‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬القضاء،‭ ‬واهتمامه‭ ‬بتدريب‭ ‬القضاة‭ ‬البحرينيين‭ ‬وابتعاثهم‭ ‬للخارج‭ ‬لتلقي‭ ‬دورات‭ ‬متخصصة،‭ ‬وتطويره‭ ‬لعمل‭ ‬المحاكم،‭ ‬والأنظمة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬لتسجيل‭ ‬وحفظ‭ ‬القضايا‭ ‬وتبويبها‭ ‬وتعيين‭ ‬المستشارين‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالعمل‭ ‬فيها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لمرفق‭ ‬القضاء‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭.‬

 

مكتب‭ ‬التوثيق

ويفرد‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬صاحب‭ ‬العظمة‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ (‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭)‬،‭ ‬فيتناول‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬مجالات‭: ‬القانون‭ ‬الدستوري،‭ ‬والقانون‭ ‬الجنائي،‭ ‬والقانون‭ ‬المدني،‭ ‬مدعما‭ ‬ذلك‭ ‬بالإحصاءات‭ ‬الموثقة‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬التطورات‭ ‬آنذاك،‭ ‬مثل‭ ‬عدد‭ ‬القضاة‭ ‬والمحاكم‭ ‬والقضايا‭ ‬المعروضة‭ ‬عليها،‭ ‬وتنمية‭ ‬أموال‭ ‬القصر،‭ ‬وأعمال‭ ‬مكتب‭ ‬التوثيق،‭ ‬كما‭ ‬يستعرض‭ ‬اختصاصات‭ ‬القضاءين‭ ‬المدني‭ ‬والشرعي،‭ ‬وآليات‭ ‬عمل‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬الدعوى‭ ‬القضائية‭ ‬ودرجات‭ ‬التقاضي،‭ ‬والتعيينات‭ ‬القضائية‭.‬

أما‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬فقد‭ ‬خصصه‭ ‬المؤلف‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬التطور‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الزاهر‭ ‬لعاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬مستعرضا‭ ‬تطور‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الدستوري‭ ‬والجنائي‭ ‬والمدني،‭ ‬والتشريعات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقضاء‭ ‬الشرعي‭.‬

التحديث

ويتناول‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬التعديلات‭ ‬والتطويرات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سارية‭ ‬بما‭ ‬يواكب‭ ‬المتطلبات‭ ‬الجديدة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬وتحديث‭ ‬عمل‭ ‬المحاكم‭ ‬كاستحداث‭ ‬نظام‭ ‬إدارة‭ ‬الدعوى‭ ‬العمالية،‭ ‬ومحكمة‭ ‬المرور،‭ ‬والمحاكم‭ ‬الجنائية‭ ‬والتجارية‭ ‬والإيجارية،‭ ‬وإعادة‭ ‬التنظيم‭ ‬والإفلاس،‭ ‬وتشكيل‭ ‬محاكم‭ ‬متخصصة‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬الإدارية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬محكمة‭ ‬التمييز‭ ‬الشرعية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬محكمة‭ ‬العدالة‭ ‬الإصلاحية‭ ‬للطفل،‭ ‬وافتتاح‭ ‬مجمع‭ ‬محاكم‭ ‬الأسرة،‭ ‬ومكتب‭ ‬التوفيق‭ ‬الأسري،‭ ‬واعتماد‭ ‬النظام‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لإدارة‭ ‬الدعاوى‭.‬

وضمن‭ ‬المؤلف‭ ‬كتابه‭ ‬قائمة‭ ‬بأسماء‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬تولوا‭ ‬شرف‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين،‭ ‬مع‭ ‬ملحقين‭ ‬للوثائق‭ ‬التاريخية‭ ‬والصور‭.‬