العدد 4711
الثلاثاء 07 سبتمبر 2021
banner
“العيارون الشطار”
الثلاثاء 07 سبتمبر 2021

في التاريخ العربي هناك جماعة أطلق عليها “العيارون الشطار”، وهي جماعة تضم في معظمها العامة، وقد وقفوا ضد التجار والأثرياء بالدرجة الأولى، وكانت لهم مبادئ أخلاقية وطريقة يسيرون عليها، ومن عناصر فتوتهم الرفق بالفقراء والصغار، وأساس حركتهم التباين الاقتصادي، وهناك تفاصيل أخرى عن هذه الحركة لا مجال لذكرها.

في أسواقنا انقلبت الطقوس وتبدلت المقاعد، حيث أصبح عدد من التجار عديمي الذمة، وهم العيارون الشطار الذين فرضوا شروطهم وتحكمهم في السوق عبر سلخ جلد المواطن بالأسعار في أي منتج محلي أو مستورد، ويمتلكون أفضل مقومات البخل وفلسفة شفط الجيوب، هؤلاء العيارون الشطار يفترض وضعهم في خانة المحفوظات في المتاحف التاريخية، أو جعلهم مصدرا للأبحاث والتجارب في علم الاقتصاد، لما لهم من سمة ومواصفات متميزة تجعلهم في القمة.

هؤلاء لا يتحملون إجراء تخفيضات، ولو فعل أحدهم لرأيته يضع يديه ليغطي بها مساحة من وجهه ويظل أسبوعا أو أكثر منعزلا ساخطا وكأنه قد تجرع الهزيمة كاملة، فقبل التخفيضات كان كل شيء يسير بانتظام، وبمجرد الإعلان عن الموسم ترتفع الحرارة، وقبضة اليد تكون في وضعية الاستعداد لتوجيه ضربة إلى الوجه ولا تسمع إلا همس الأفكار والأنات.

حين تصادفه في المحل وتعرف أنه “راعي الحلال”، وتطلب منه تخفيضا “دينارا أو دينارين” على بضاعة ما، يصرخ في وجهك وكأن أفعى سامة لدغته، ويختفي من أمامك بسرعة ولا يكاد يبان إلا بصعوبة، فأي شيء متعلق بالتخفيض يشعره بالجفاف، ولحظات الوجع والسقوط في أكوام من الخيبة.

حينما يعاني المواطن من محدودية الراتب وتراكم الديون، لا ينقصه فقط إلا جبروت بعض هؤلاء التجار وقسوتهم وسحقهم كل منطق وثوابت السوق والتعامل مع المستهلك، فلديهم طرق عدة وألوان وأشكال في الشطارة والعيارة والبقاء بعيدا عن الهواء النظيف والشفافية، وفي النهاية الضحية هو المواطن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية