العدد 4691
الأربعاء 18 أغسطس 2021
banner
كربلاء البطولة والخلود
الأربعاء 18 أغسطس 2021

إذا قيست موقعة كربلاء بحسابات الزمن فإنها أقصر معركة من معارك التاريخ الإسلاميّ، أي لم تتجاوز بضع ساعات، أمّا بالموازين العسكرية فإنّ كفتي الحرب لم تكن متكافئة بين الطرفين، فبينما كان عدد أنصار الحسين لا يتجاوز السبعين مقاتلا إلا بقليل، كان الطرف الآخر لا يقل عن أربعة آلاف مقاتل، أما إذا قيست بما جرى وما تركت من أثر في التاريخ البشري فإنّها بكل تأكيد كانت حافلة بالعديد من القيم على كل الأصعدة الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، ويقول المفكر الإسلاميّ الكبير عباس محمود العقاد إن ثورة الحسين واحدة من الثورات العظيمة في التاريخ لم يظهر نظير لها حتى الآن، أكان في مجال الدعوات الدينية أو الثورات السياسية.

في ذكرى هذه الفاجعة الأليمة تستوقفنا الكثير من الدروس، أهمها أنها تمثل محطة بالغة الأهمية لاستثمار مضامينها في معالجة ما تمر به الأمة من خلل على المستويات الأخلاقية والإنسانية، فالمشكلة الأساسية التي تعاني منها مجتمعاتنا اليوم تكمن في الأنانية المقيتة وحبّ الذات الذي هو قمة درجات الأنانية، والمتأمل في مجريات الواقعة يلمس الإيثار وإنكار الذات بأجلى صورهما، وهو ما نفتقده في واقعنا اليوم بكل أسف. الدرس الآخر الأكثر بلاغة تجسد في قيمة التسامح، وما أحوج الأمة والإنسانية إلى النأي عن النزاعات والأحقاد وترسيخ الاعتدال بوصفه طوق النجاة أمام طوفان التعصب والتشرذم مما سمي بـ “آداب الكراهية”.

لم يكن المؤرخون وحدهم ولا الكتّاب من استلهموا مشاهد كربلاء، بل إنها كانت حاضرة على مرور الوقت في الإبداع الشعري العربيّ، فالشاعر الكبير نزار قبانيّ استحضر الواقع الأليم قائلا: “جلودنا مختومة بختم كربلاء.. قهوتنا مصبوغة من دم كربلاء، حنطتنا معجونة بلحم كربلاء.. طعامنا شرابنا عاداتنا راياتنا زهورنا قبورنا جلودنا مختومة بختم كربلاء”، والشاعر أمل دنقل هو الآخر يستحضر مأساة كربلاء قائلاً: “كنت في كربلاء.. قال لي الشيخ إنّ الحسين مات من أجل جرعة ماء.. وتساءلت كيف السيوف استباحت بني الأكرمين.. فأجاب مات من أجل جرعة ماء”. السلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية