+A
A-

فيديو "البلاد": البيئية بوجيري: الحية بية تقتل الأسماك.. وأم شوقي ضد تخريب الموروثات

"ريمكس" الحية بية حلة جديدة وألوان برّاقة بعيداً عن جمود السعف

لاستخدام مواد صديقة للبيئة مثل السعب والعلب الكرتونية وحبل الصوف

اقتراح بوضع حاويات للأطفال لرمي الحية بية فيها بدلا من رميها بالبحر

يستعد أطفال البحرين لرمي الحية بية، وقد تسلل التجديد للموروثات الشعبية، ولم تعد الحية بية بشكلها المعروف وإنما دخلت بتصاميم هجينة، وهي ما سببت انقساما بين عدة فرق، الفريق الأول مؤيد لتحديث الموروثات، والفريق الثاني مؤيد لاستمرار الموروثات دون تشويه، أما الفريق الثالث فيقف بعيدا بموقف بيئي يناهض رمي الحية بية لأنها تضر بالثروة  البحرية.

تقرير وفيديو "البلاد" الجديد يناقش أثر التحديث في الموروثات الشعبية -مثل الحية بية-، والأثر البيئي، وإلى أين يتجه رونق "عتيج الصوف".

تشويه وتخريب

"حية بية.. راحت بية.. وجت بية.. على درب الحنينية".. تغني أم شوقي أهازيج الحية بية بصوت مبحوح أرهقه الزمان.

وتضيف:" كنا نعتني بالحية بية في زمننا القديم، ونسقيها عشرين يوما، حتى تكبر في يوم عرفة، حيث نستخدم علب الأناناس والخوخ والكنار لزرعها، ونخلط السماد مع الرشاد أو الشعير".

تبتسم بفخر وتقول: نستعد بلبس الملابس الجميلة، مثل البخنق ونتزين بالحناء في أيدينا ونضع "قصعة" في كل يد، ثم نذهب للبحر حاملين الحية بية بعد إطعامها الأرز من وجبة الغداء، ونغني: "عشيتج غديتج،  نهار العيد لا تدعين عليّا. نعيد الأغنية مرارا حتى نتعب ونرميها في البحر".

 وكأنما يخاف الأطفال من ظلم النبتة التي اهتموا بها فترة طويلة وفي نهاية الأمر تخلصوا منها برميها في البحر.

تقول أم شوقي غاضبة: "(الطَرز) القديم مالنا -وتقصد به الأسلوب القديم- لا يقبل تصرفات مثل التجديد والتحديث في الموروثات الشعبية لأنه تشويه وتخريب، ونريد الحفاظ على تاريخنا وتراثنا بحذافيره، بكل تفاصيله، دون إدخال أفكار وعادات جديدة لا تتناسب مع الأصالة في تقاليدنا".

وأكدت بأنه يجب أن يهتم الطفل لمدة لا تقل عن عشرين يوما بالحية بية، حتى يشعر بقيمة الفقد حين يرميها في البحر.

تدمير البحر

تحتاج زجاجة واحدة من البلاستيك 450 سنة على الأقل لتتحلل في البيئة وفقا لمعطيات  دائرة الحدائق الوطنية الأمريكية وحتى تحلله يسبب إطلاق مواد ضارة للتربة والمياه الجوفية، بيد أن أن خوص النخل يتحلل طبيعيا مع الوقت دون أضرار على البيئة.

من هذا المنطلق حذرت الناشطة في المجال البيئي والزراعي منال بوجيري من استخدام المواد الضارة للبيئة في أشكال الحية بية الحديثة.

وقالت: "الحية بية موروث شعبي قديم توارثته الأجيال، لكننا بحاجة لإيجاد طريقة صحيحة للاستمرار فيه، دون الإضرار بالبيئة، الموروث والعادات تستمر، لكن السلوك يتم تصحيحه. وهنالك العديد من الآثار السلبية للحية بية منها تلويث الشواطئ، الإخلال بالقواعد العامة للنظافة، وتدمير الحياة البحرية."

وتؤكد بوجيري بأنه في الآونة الأخيرة تم تطوير الحية بية واستخدام خامات مضرة وغير صديقة للبيئة منها الاكريليك والبلاستك والألياف الصناعية وعلب المعادن التي تحتاج لمئات السنين للتحلل، وتدخل في غذاء الأسماك مؤدية لموتها ، مما يعكس أثرا سلبيا على الحياة البحرية والشواطئ.

وبينت أهمية استمرار التراث الشعبي ولكن في المقابل إيجاد حلول لحماية البيئة، وقالت : هناك حلول كثيرة للتلوث الناجم عن رمي الحية بية في البحر، منها استخدام مواد صديقة للبيئة مثل السعف، العلب الكرتونية، الحبل بصوف طبيعي.  ولابد من التعاون مع الهيئات الرسمية وأطالب وزارة شؤون البلديات بوضع حاويات بأشكال جذابة للأطفال في وقت العيد لرمي الحية بية فيها.

وأضافت:" أنصح الأهالي في حال عدم توافر حاويات لرمي الأضاحي فيها، أن يعلموا أطفالهم أنه لا يجوز رمي شيء من المخلفات في البحر لأن فكرة الرمي خاطئة أساسا، بإمكان الطفل أن يزرع الحية بية ويعلقها في المنزل محتفظا بها لنفسه."

وتابعت: لا أعلِّم أولادي طقوس رمي الحية بية، والفكرة المهمة أن يشعر الطفل بالانتماء والحب للأرض والنبتة، وليس رميها في البحر، لأنه في النهاية الأضحية لله وليس للبحر.

الريمكس

انتشر مصطلح "الريمكس" لأعمال فنية مختلفة مثل أغاني الست أم كلثوم ودمجها مع موسيقى الراب مثلا، بل وتعدت فكرة "الريمكس" مسألة الأعمال الفنية، لتطال المعتقدات والأفكار والموروثات الشعبية، يأتي ذلك نتاج العولمة والتكنولوجيا الحديثة التي تحاول صنع هوية موحدة لكل الثقافات المجتمعية.

واصطلاحا يمكن تعريف Remix  بأنه إعادة دمج وخلط المكونات، ويعرف موقع  Wayback Machine "الريمكس" بأنه مصطلح يشير إلى مجموعة واسعة من الممارسات الاجتماعية والثقافية وإعادة ترتيب سياق المحتوى في قائمة جديدة (...)  بشتى الطرق كتعديل النبرة والإيقاع.

ان الحفاظ على استمرارية الموروثات الشعبية مسؤولية مجتمعية، وربما من هذا الطريق جاء تطوير شكل الحية بية محاولة لإعادة إبراز الموروث وجذب أبناء الجيل الجديد بالطرق التي تناسبهم.

معظم الزبائن نساء

الانسان مخلوق يميل الى التجديد والتغيير في كافة جوانب حياته، وبالطبع لا تنجو العادات والتقاليد من الاختراق ومحاولة إعادة تشكيلها لتوائم متطلبات العصر الحديث.

نجد الآن مثلا فكرة الحية بية تخضع لغربلة التحديث بما يوائم توجهات المجتمع، حيث صار من بروتوكولات الاحتفال بالمناسبات مع الأطفال نقش وطبع أسمائهم على مختلف المواد والأشكال.

الحية بية أيضا تخضع لذات التوجه، ويتجه الأهالي لالتقاط أفضل الصور لأطفالهم ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي.

يشرح صاحب متجر "سمارت ميديا" إبراهيم مشكور مستفيضا: "قبل طرحي منتج الحية بية لهذا العام، فكرت في أن الزمن يتطور ويتقدم، وفي الفترة الأخيرة لاحظت أن اتجاه الجمهور نحو التصوير وعرض الصور في الانستغرام  بمناسبة العيد، فقررت صناعة حية بية بشكل مطور واضافة اسم الطفل عليها مما يعطي تميزا يجذب محفظة الأهالي وخصوصا النساء منهم".

ويضيف مشكور: "تفاجأت من حجم الإقبال الكبير على الأضحية الجديدة، لدرجة أنني لم أجهز كميات كافية لتلبية الطلبات، وصلني أكثر من 500 طلب، ومازلنا نستقبل الطلبات. ووصلتني ردود زبائن بأن أطفالهم لأول مرة يحيون العادة ويزرعون نبتاتهم الخاصة بسبب وجود أسمائهم على العلب ويتابعون نموها. وفي المنتج المصنوع من الاكريلك كان الأطفال يتابعون نمو النبتة ويشاهدون جذورها بسبب شفافية العلبة".

وأكد بأن التطوير والتحديث في أشكال الموروثات الشعبية مهم للحفاظ على التراث وجذب الأجيال الجديدة بما يلفت انتباههم:" لو لم نضع أسماء الأطفال على علب الحية بية لما لفت أنظارهم اليها، ولم نكن سنشاهد تفاعلا مثل هذا".

وأكد التزامه التام بالوعي البيئي، وقال :"صحيح بأننا نستخدم الاكريليك والخشب في صناعة الحية بية، لكننا لسنا جهلاء بأهمية الحفاظ على البيئة، لذلك أعددنا مقطع فيديو نشرح فيه لزبائننا كيف يمكن لهم أن ينزعوا الشتلة فقط للرمي والحفاظ على المنتج للعام المقبل حتى لا تتراكم المواد المضرة في البحر ونتجنب دخول المواد الغير صديقة للبيئة للبحر".

في كل لحظة

مهما اختلفت وجهات النظر، وأكد أصحاب المدارس الكلاسيكية على أهمية الحفاظ على الموروثات الشعبية بحذافيرها، تبقى الأشياء كلها خاضعة للتجديد والتطوير كما تتجدد خلايا الإنسان في كل لحظة، وكما يتجدد الكون وتدور الأفلاك في كل ثانية، عجلة التغيير ستدهس أجزاء من ذاكرتنا، ويبقى التحدي في المحافظة على جواهر الموروثات وأرواحها.