العدد 4630
الجمعة 18 يونيو 2021
banner
ماذا سأقول للمعلم أبي العلاء المعري
الجمعة 18 يونيو 2021

في عالم الأدب هناك العقل الصاحي الواضح المنطقي الراغب في الوصول إلى الحقيقة حتى عبر أكثر طرقات التحليل جفافا، وهناك أيضا الحالم المتلون المحب مشبوب العاطفة الذي تتقاذفه أدنى إثارات الحزن ورؤى السعادة، وقد امتلأ “جحيم دانتي” و”رسالة الغفران المعري” بتعريفات وقواعد خلقت لهذين العظيمين قاموسا خاصا، وكل كلمة تحمل ظلا من ظلال الشخصية، وبالرغم من قراءاتنا المبكرة “أيام الثانوية العامة” لهذين العملين الأدبيين، إلا أننا لا نزال نسترجع الروح الحساسة وروعة الاتجاهين المتنافسين وتبادل التأثير بينهما، فكان دانتي كما جاء في بحث “رحلة في أدب الآخرة” لصالح أبوأصبع ساخطا على مجتمعه وعاش أغلب حياته وحيدا حتى بين جموع الناس، وكان أبوالعلاء اعتزاليا كدانتي إلا أنه شتان بين فردية المعري وفردية دانتي، فالأخير شارك في الحياة واعتزلها نتيجة الاتهامات التي وجهت إليه، ومع ذلك ظل ينتمي إلى مجتمعه آملا في بناء مجتمع أفضل وذلك ما حاول وضعه في كوميدياه، أما أبو العلاء المعري فكان ملك نفسه، لا يخص سوى نفسه، ورسالته أيضا لم تكن لبناء مجتمع أفضل وإن كانت لبناء جنة تخصه وتخص ابن القارح معه كوسيلة لبناء جنته المعرية.

كان دانتي عميق الإيمان والمعري مزعزع الإيمان، وهذا جعل هناك اختلافا كبيرا بين مؤلفيهما، ويرى الأدباء أنه لا تشابه بين دانتي والمعري مطلقا إلا بوصف كل منهما إنسانا وشاعرا ممتازا، وهذه سمة الأدباء المتفوقين، ولا يرون في رسالة الغفران والكوميديا الإلهية أي تشابه، إلا أنهما يلتقيان عند فكرة واحدة هي الرحلة الخيالية إلى العالم الآخر، والمعري ليس صاحب هذه الفكرة الإنسانية المشتركة.

قبل أيام أهداني أستاذي الكاتب أحمد جمعة روايته الضخمة الجديدة “القرنفل التبريزي.. أبو العلاء المعري وخليله”، وكتب لي أنها مغامرة ستقودني إلى معرة النعمان مع أبي العلاء المعري، وها أنا اليوم قد بدأت في قراءة الرواية موغلا في البعد لمعرفة ماذا سأقول للمعلم أبي العلاء المعري.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية