+A
A-

صدور "سيرة البريد في البحرين" للمرحوم علي ابراهيم مطر

صدر عن دار فراديس للنشر والتوزيع في البحرين، كتاب "سيرة البريد في البحرين (1953-1998)"، لمؤلفه المرحوم علي ابراهيم مطر الذي التحق بادارة البريد في العام 1953 قادما من شركة نفط البحرين (بابكو) وتدرج في المناصب حتى اصبح  مديرا للبريد منذ مطلع سبعينات القرن الماضي حتى وفاته نهاية التسعينات، تمكن خلالها من وضع بريد البحرين في مصاف مؤسسات البريد في العالم، حيث يشهد له كل من عمل معه في الفترة التي قاد فيها هذه الادارة الحيوية في البحرين.

قدم مهدي مطر توطئة اشار فيها الى أن اهمية هذا الكتاب تنبع من مسألتين: الأولى أن الكاتب يؤرخ لتاريخ خدمات البريد في البحرين والخليج العربي. وهو الذي عايشها عن قرب بعد أن أمضى خمسةً وأربعين عاماً يعمل في خدمات البريد بدءًا من عام 1953 حتى وفاته في 28 مايو 1998، ومثّل البحرين في عدة مؤتمرات خليجية وعربية ودولية بدءًا من مؤتمر دبي عام 1968، فضلاً عن إيفاده إلى "أبوظبي" عام 1963 لتنظيم وتطوير الخدمات البريدية وزيارة ثانية لها عام 1965 وثالثة عام 1970. يعتبر هذا الكتاب مرجعاً توثيقًّيا للدارسين والمهتمين بتاريخ خدمات البريد في البحرين والخليج العربي". كما قدم مسؤول العلاقات الخارجية السابق بالبريد فيصل الدلال مدخلا للكتاب، اشار فيه الى شخصية المرحوم علي مطر: "ولعلّ الذي ساهم في صقل شخصيته وتمتعه بروح التحدي هي تجربة عمله في أبو ظبي ستينيّات القرن الماضي في ظروف صعبة جداً؛ إنها الروح  ذاتها التي أدار بها العمل البريدي في البحرين، هذا العمل المتشعب المعقد الذي تحكمه اتفاقات دولية دقيقة صارمة وأنظمة تطبق على الدول المتقدمة جداً وتلك النامية، وهنا يكمن التحدي". 

 

يحتوي الكتاب، الذي يقع في 170 صفحة من القطع الكبير، على تسعة فصول وملحق للصور. يتحدث الفصل الأول الذي يحمل عنوان "من عوالي في سالم خطر الى بريد المنامة"..يتحدث عن قرار انتقال المؤلف من شركة نفط البحرين (بابكو) الى بريد المنامة، والظروف الموضوعية التي حكمت هذا الانتقال وما واجهه من اغراءات من قبل مسؤوليه في "بابكو" للبقاء باعتباره واحدا من الكوادر الواعدة التي يمكن ان تتبوء مناصب مهمة في الحقل النفطي، إلا أنه أصّر على الانتقال الى بريد المنامة. يقول علي مطر في هذا الفصل: "خلال مدة الإجازة لم أضيع وقتاً بل كنت أبحث عن عمل في مدينة المنامة الأقرب إلى محل سكني بدلاً من السفر اليومي إلى مدينة العوالي في (سالم خطر)، وفي الباص الطويل الذي ينقلنا يومياً إلى العمل وبالعكس.

كتبت رسالة باللغة الإنجليزية إلى مدير البريد لعلّي أحظى بعمل ملائم. وفي بريد المنامة القديم -  المجاور لمركز شرطة المنامة جنوبي باب البحرين - قدمت رسالتي التي تسلمها المستر دي إتش موريس (MR.D.H.MORRIS) الذي قرر في الحال الموافقة على تشغيلي. ولكنني كنت لا أزل موظفاً في بابكو ولهذا صرت أطّلع وأبحث عن التفاصيل الضرورية لأعلن عن موافقتي أنا الآخر. الراتب الشهري هو الأهم بالنسبة إليّ والعرض كان مائتين وخمسين روبية تساوي (-/25 ديناراً ) وافقت لأن هذا المبلغ ضعف ما احصل عليه في بابكو".

"متعة التحدي في تأسيس بريد أبوظبي"، عنوان الفصل الثاني، ويتحدث عن تطوع المؤلف علي مطر للذهاب الى ابوظبي بعد أن قدم اثنان من الموظفين البحرينيين استقالتهما من البريد لعدم قدرتهما على البقاء في الامارة التي كانت تفتقد حينها للكهرباء والماء والطرق..كان بريد ابوظبي مغلق بعد أن غادره الموظف البحريني الذي اشتاق لعائلته وظل ينتحب كلما رأى طفلا في الشارع. يصف المؤلف دخوله مكتب بريد ابوظبي قائلا: " تسلمت عملي بعد أن افتتحنا مكتب البريد الذي هو عبارة عن مبنى قديم مرتفع عن سطح الأرض بدرجات معدودة. وقد وجدت كل الأشياء مبعثرة: الرسائل والطوابع وحتى النقود. لم تكن مهمتي سهلة، ظروف معيشية صعبة، عمل غير منظم، أعمل بمفردي، لا أعرف أحداً في الإمارة... إلخ. ولكنني والحمد لله، والشكر له وحده، تمكنت من مواجهة كل التحديات بدون استثناء".

اما الفصل الثالث الذي يقع تحت عنوان "إنشاء مراكز البريد في الخليج العربي وعضوية البحرين في الاتحادات الاقليمية والدولية"، فقد رصد المؤلف حركة المواصلات بين الهند والخليج والعراق. ويشير الكتاب الى أنه يمكن اعتبار إنشاء خطوط المواصلات البحرية بين بومبي (حاليا اسمها مومبي) في الهند والبصرة في العراق، مروراً بموانئ الخليج العربي من قبل شركة الملاحة للبواخر الهندية البريطانية عام 1862م، الأساس في بروز فكرة تأسيس المكاتب البريدية الرسمية في الخليج. وفي ذلك العام تم إنشاء خط بواخر للأغراض البريدية لتُبحر بين بومبي والخليج برحلات سنوية، في البداية، حددت بثماني رحلات فقط، وفي عام 1868م أصبحت كل أسبوعين وفي عام 1874 تطورت لتصبح كل أسبوع.

وحول تأسيس البريد في البحرين، يقول المرحوم علي مطر أنه "في الأول من شهر أغسطس عام 1884م افتُتح أول مكتب بريد رسمي في البحرين، بعد أن ازدادت الحاجة إلى خدمات بريدية منتظمة مستفيدة من خطوط المواصلات البحرية المذكورة تحت إشراف المستر اوشيا وساعي بريد واحد فقط، ويدار من بومبي في الهند". كما يعرج هذا الفصل على تسلم حكومة البحرين ادارة البريد من بريطانيا عام 1966، ويرصد الاجتماعات التي حضرها الكادر الوظيفي بدءا من العام 1960، حتى العام 1995.

ويتحدث الفصل الرابع عن المنشئات البريدية في البحرين ويوثق الكاتب ان أول مكتب بريد كان في العاصمة المنامة وافتتح في الاول من أغسطس عام 1884، مكتب بريد المنامة "وكان مكتبا بسيطا في دار المعتمد البريطاني، وعندما بني باب البحرين في القرن العشرين نُقل إليه مكتب البريد بعد أن أزداد الاقبال عليه وتضاعفت حركة المراسلات الرسمية والتجارية والشخصية سواء الواردة إلى البحرين أو الصادرة منها. بعد بريد المنامة افتتح بريد المحرق بتاريخ 1 يونيو 1946م في دكان صغير تباع فيه الطوابع ويتم تسجيل المراسلات وتقبل الطرود البريدية الصادرة إلى الخارج، ليتوالى بعد ذلك فتح المكاتب مع الحاجة، واصبح هناك 13 مكتبا بريديا في مختلف مناطق البحرين حتى النصف الاول من تسعينات القرن الماضي.

يتحدث الفصل الخامس عن طوابع البريد واتصالها بالتاريخ والتراث، بينما يتحدث الفصل السادس عن القوى العاملة التي بدات بموظفيناثنين الناظر وساعي البريد، وبلغ العدد في 1974 نحو 78 موظفا، حتى بلغ العدد في منتصف التسعينات إلى 346 موظفا جلهم بحرينيون خضعوا لدورات ودراسات داخل وخارج البحرين.

ويسط الفصل السابع الضوء على الخدمات البريدية الوارد منها والصادر ونوعياتها وطرق نقل الرسائل، بينما يتحدث الفصل الثامن عن "البحرين كنقطة ارتكاز بريدية للخليج. في هذا الفصل يفصل الكاتب عن دور البحرين كنقطة ارتكاز في المنطقة، مؤكدا على "أن البريد الجوي الوارد إلى دول الخليج العربية من إنحاء العالم كافة في حقبة الخمسينيّات والستينيّات يرسل إلى البحرين ضمن إرساليات رأسية، ويتم هنا في البحرين فتح الإرساليات وفرز المواد البريدية إلى كل دولة خليجية لتضمن الإرساليات المرسلة من البحرين إلى جهة المورد. وبالمقابل كانت الرسائل والمواد البريدية الأخرى الصادرة من الدول الخليجية ترد في إرساليات مغلقة باسم البحرين، وهنا يتم فتحها وفرز الرسائل والمواد الأخرى لتضمن الإرساليات الجوية الصادرة من البحرين إلى جهة موردها من دول شرقية، وعربية، وغربية".

اما الفصل التاسع والاخير فخصصه الكاتب المرحوم علي مطر الى الطرائف والمواقف الظريفة، من ارسال حرز في الرسالة، الى توظيف بهلوان في البريد، الى ارسال اموال في الرسائل يقتنصها احدهم في منتصف الطريق ولا يصل المال لصاحبه..وكثير من المواقف والطرائف التي سجل بعضها علي مطر.

كتاب "سيرة البريد في البحرين" انجاز مهم لما يحويه من توثيق لجزء من تاريخ بلادنا البحرين في واحد من اهم الحقول، وقد تطور بأياد بحرينية تمكنت من الوصول الى مستويات متقدمة يشار لها بالبنان.