العدد 4303
الأحد 26 يوليو 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
غرائب البشر!
الأحد 26 يوليو 2020

رغم أن السعادة حلم الجميع ومصدر إلهام أغلبية البشر، لكنها بالوقت ذاته مصدر قلق وتوتر للكثيرين، ممن لا يدركون مغزى السعادة، وأين تكمن، فهناك من يقضي جل عمره يبحث ويفتش عنها حتى يبلغ مرحلة الشقاء، مع أنها أقرب إلى قدميه ولا يراها لأنه غارق في البحث عنها بمكان آخر، وقد اتضح ذلك أكثر من أي وقت مضى هذه الأيام بخضم معركة العالم مع وباء كورونا.

فخذ مثالاً حيًا أولئك الذين إذا ما أصابهم صداع روتيني انتابهم الهلع وخاضوا معركة مع الأفكار السوداوية التي قد تبلغ بهم حد بلوغ توجسهم درجة إصابتهم بأمراض مزمنة أو خبيثة، لكن لو تتبعت تصرفاتهم وسلوكم اليومي المعتاد لوجدتهم على مستوى غير معقول ولا منطقي في الاستهتار بحياتهم وحياة من حولهم من البشر، خذ النساء والرجال، كبارا وصغارا، الذين ستراهم يغزون الأسواق والمجمعات ومحلات الخياطة وبيع الحلوى والمكسرات، في ازدحام لا مثيل له حتى ما قبل زمن كورونا، مستهترين من غير أدنى درجة بالمسؤولية من حيث الالتزام بالحد الأدنى من مراعاة السلامة، هؤلاء أنفسهم الذين يصيبهم القلق لو تعرضوا لزكام.

أستغرب من هؤلاء البشر وهم يغزون كوكب الأرض، دون مشاعر، ولا أحاسيس كأنهم كائنات فضائية غريبة لا تتملكهم أحاسيس بالحياة، ولا مسؤولية بقيم السعادة التي يشْقون بالبحث عنها وفي الوقت ذاته يتجاهلون أن السعادة ليست في الجري وراء الملابس والاحتفالية والأكل والزهو، لكنها بأبسط شعور بالمشاركة مع الآخرين في رؤية الحياة بأنها السلامة للجميع، ليس الاحتفال بالعيد أو الصلاة بالمسجد جماعة، شرط الشعور بالرضا، بل يكفي أن تبقى بالمنزل وتحتفل مع أسرتك حولك، بوجبة معدة في المنزل بروح طيبة ونفس شهي حتى تغمر السعادة الجميع بعيدًا عن المجازفة بالتجول في الأسواق والاحتكاك بالمصابين وتعريض نفسك وغيرك للأذى لمجرد رغبة زائفة بالاحتفال بالعيد أو بأية مناسبة تجلب لك الخطر وأنت في غنى عنه.

ألم أقل لكم إننا ونحن نبحث عن السعادة، نضيعها من غير أن ندرك أنها بأبسط الأشياء وليست في أعقدها كما نظن، مشكلتنا كبشر، ضيق الأفق لدينا وقلة الخيال الواسع الذي من شأنه أن يجعلنا نصنع السعادة بمجرد أن نتخيلها وليس بخوضِ المعارك اليومية الروتينية القاتلة من أجلها، أيامكم سعيدة.

 

تنويرة:

حرر نفسك أولاً من القيود، قبل أن تفكر بتحرير العالم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية