+A
A-

مختص بمحاربة الأوبئة: تركيا أخطأت بعدم فرض الحجر

قبل أيام ليست ببعيدة، وفي خطاب توجه به إلى المواطنين الأتراك، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: "تركيا بلد يجب أن يستمر فيه الإنتاج وألا تتوقف فيها عجلة الحياة عن الدوران تحت أي ظرف".

إلا أن النتيجة كانت وضعًا صعبًا تعيشه البلاد، حيث توفي أكثر من 700 شخص، وأصيب أكثر من ثلاثين ألفا بسبب الوباء، في واحدة من أسرع حالات التفشي نموًا على مستوى العالم. فقد صعدت إلى المرتبة التاسعة بين أكثر الدول تضرراً، في حين لا يزال أردوغان "يقاوم نصائح مستشاريه في اتخاذ الإجراءات لمنع التفشي".

ففي مقابلة أجرتها مجلة "نيويوركر" مع بروفيسور علم الأحياء المعروف في كلية بوسطن، إيمراه ألتنديس، بشأن تعامل تركيا مع وباء كورونا، قال: "لنبدأ بالأرقام. تم الكشف عن أول حالة في 11 مارس. وكان هذا التاريخ متأخرا مقارنة بمعظم البلدان. في حين سجلت أول حالة وفاة في 17 مارس. وحتى 31 مارس، توفي 214شخصًا، وبلغ عدد الحالات المؤكدة 1353 (وصلت حاليا إلى أكثر من 30 ألف إصابة مسجلة)، إذا قارنا هذه الأرقام بأرقام دول أخرى بعد أن تم اكتشاف مئة حالة لديهم، سنجد أن تركيا لديها أكبر معدل زيادة في عدد الحالات في العالم في الوقت الحالي. لكن معدل الوفيات قد يجعلنا نتفاءل. وكما تعلمون، فهي مرتفعة للغاية في إسبانيا وإيطاليا. لكن في تركيا، إذا كانت هذه الأرقام الرسمية صحيحة – لأن البعض يشكك فيها بسبب عدم وجود الشفافية – لكن إذا قلنا إنها صحيحة، فإن معدل الوفيات أقل مما هو عليه في إيطاليا أو إسبانيا.

وعند سؤاله عن سبب سرعة انتشار الفيروس في تركيا على الرغم من أن ظهور الحالة الأولى كان متأخرا نسبيًا، أجاب ألتنديس:" أعتقد أن هناك طريقتين مختلفتين لاحتواء الوباء في العالم. ونموذجين ناجحين. الأول هو نموذج كوريا الجنوبية، التي قامت بفحوصات جماعية، وتمكنت من إجراء عشرين ألف فحصٍ يوميًا. وحتى 20 مارس، قامت كوريا الجنوبية بأكثر من 350.000 فحص. في حين بلغ عدد الفحصات في تركيا 92 ألفاً فقط، وعدد السكان ثمانين مليونًا. هذا أحد الأسباب.

والنموذج الآخر الذي نجح هو نموذج ووهان الصينية، والذي طُبق في كاليفورنيا وفرنسا وفي بوسطن أيضًا، والذي ينطوي على إيقاف الأعمال التجارية غير الهامة. لكن تركيا لم توقفها؛ لقد أغلقوا المطاعم والمدارس، لكن المنتمين للطبقة العاملة ما زال عليهم العمل كل يوم. (وتخضع أكثر من 40 قرية ومدينة صغيرة في تركيا للحجر الصحي، لكن حتى يوم الخميس الماضي، لم تخضع المدن الكبرى للحجر الصحي، ومن ضمنها إسطنبول التي يوجد فيها أكثر حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19). "

وتابع قائلاً: "لأن المنتمين للطبقة العاملة في تركيا يذهبون إلى العمل كل يوم، فإنهم ينقلون الفيروس إلى آبائهم وأجدادهم والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض الرئة المزمنة أو أمراض الكلى. وعلى هذا المنوال لن تتمكن البلاد من إيقاف هذا الانتقال".

نظام يدار عبر رجل واحد

إلى ذلك، اعتبر الخبير أن الواقع غيضٌ من فيض، متوقعا أن يكون الوضع أسوأ خلال الأسبوعين المقبلين.

وعن أسباب عدم قيام حكومة أردوغان بفحوصات جماعية وتدابير لإبقاء الجميع في أماكنهم، رأى أن هناك سببين، الأول يكمن في أن الاقتصاد التركي له الأولوية في حسابات الحكومة، ولا يمكنها تحمل الإغلاق، أما السبب الآخر فيعود إلى اعتماد استراتيجية "مناعة القطيع"، موضحاً أن "الحكومة أخبرت بالفعل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 أو الذين يعانون من أمراض مزمنة أنهم معرضون للخطر. لكن يمكن أن يكون هناك هدف سري لتطبيق استراتيجية مناعة القطيع، فهذا النظام يُدار عبر رجل واحد الآن، وهو من يقرر".

وتابع: "في 24 فبراير، أجرى وزير الصحة التركي، فخر الدين قوجة – وهو طبيب – مقابلة مع أحد أشهر الصحافيين في تركيا، أحمد هاكان، وقال إن ووهان وإيطاليا قامتا بعمل رائع من خلال الإغلاق. وكشف أنه اتصل بوزير الصحة الإيراني عندما سُجلت حالة في مدينة قم بإيران، وإن الأخير قال له إن وقت الإغلاق قد حان، ولكن بعد ذلك اعترفت إيران له أنهم لم يغلقوا المدينة، ولهذا السبب انتشر الفيروس. لذلك فهو يدرك بأن إغلاق الشوارع إحدى وسائل وقف العدوى. لكن لسوء الحظ، القرار يقتصر على رجلٍ واحد، وبطريقة ما، لا يمكنهم إقناعه بإغلاق المدن.

إلى ذلك، قال الخبير التركي "لدينا في تركيا اليوم ثلاث مدن كبرى: العاصمة أنقرة، وإزمير، وإسطنبول، يترأسها رؤساء بلديات ينتمون للمعارضة. ويعيش فيها ثلث سكان تركيا، إلا أن النظام مختلف عما هو عليه في الولايات المتحدة مثلاً، حيث يمكن لمحافظ ولاية كاليفورنيا أن يقرر إغلاق الولاية بأكملها، فلوضع في تركيا مختلف، جدا"

أما عن الاستعداد في القطاعات الطبيبة في تركيا، فقال: "أولًا وقبل كل شيء، عند مقارنة تركيا بجاراتها من دول الاتحاد الأوروبي ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). حيث عدد الأطباء والممرضين في إيطاليا مثلا لكل 1000 شخص يعد أكثر من تركيا بمرتين ونصف. وثانيا فقد الكثير من الناس وظائفهم في العديد من القطاعات، ومن ضمنها الأطباء والممرضون، فضلًا عن العديد من الأكاديميين. وعلاوةً على ذلك، وقّع العديد من الأكاديميين على عريضةٍ في عام 2016 للمطالبة بإحلال السلام في المسألة الكردية. وفقد الكثير من الأساتذة في كليات الطب وظائفهم على إثر ذلك. كما كان لهذا الأمر تأثيرٌ على استجابة البلاد للوباء، إلا أن هنالك مشاكل هيكلية أيضًا".

"تكميم أفواه"

وعند سؤاله من قبل الصحيفة عن تقارير أفادت باحتجاز أطباء تحدثوا عن خطر فيروس كورونا في الأسابيع القليلة الماضية، ما دفعهم للتراجع عن تلك التصريحات في ما بعد، قال:" منذ اليوم الأول طالبت الجمعية الطبية التركية التي تضم 84% من الأطباء في البلاد بالمشاركة في مكافحة هذا الوباء. ولكن لسوء الحظ، فإن الحكومة التركية لا تتعاون معهم. كما طالبوا أيضًا بأن يكون هنالك شفافية في هذه العملية، لكن الشفافية معدومة. ومنذ اليوم الأول، كانوا يحاولون الحصول على ما يكفي من معدات الحماية الشخصية في المستشفيات."

إلى ذلك، تحدث عن تراجع أطباء عن تصريحاتهم، قائلاً:" لقد كان هنالك طبيبة مختصة في الأمراض المعدية تُلقي ندوةً داخلية أمام غيرها من الأطباء في مستشفى أنقرة الجامعي، حيث قالت إنه لم يتم الإبلاغ عن جميع الحالات، وعلينا أن نكون حذرين للغاية وأن نحمي أنفسنا طبيًا. فقام أحد الأشخاص بتسجيل الندوة. ولاحقاَ اعتذرت أمام الجميع!"

وتابع: "كما تكرر الأمر ذاته مع رئيس جامعة في إزمير الذي قال إن الوضع أصبح أكثر خطورة مما هو عليه في إيطاليا، إلا أنه اضطر لاحقا للاعتذار. فمنذ عام 2013، أصبح القمع يمثل للأسف حتى في المهن المتخصصة.

اللاجئون وتركيا والوباء

أما عن مسألة اللاجئين وما إذا كانت أعدادهم أرهقت القطاع الطبي في البلاد، فأوضح الخبير الطبي أنه "من المثبت أن الأمراض المعدية تؤثر دائمًا على الفئات الأضعف في المجتمع – أي الفقراء، والطبقة الكادحة، واللاجئون، و القابعين في السجون. وعلى الرغم من أن تركيا تستضيف ما يقارب من أربعة ملايين لاجئ، بعد أن أبرمت مع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً قبل عدة سنوات، لم أرَ شيئاً يتعلق باللاجئين في الأسابيع الثلاثة الماضية، حتى في وسائل الإعلام التركية. وبالطبع فإن هذه الفئات ستتضرر بشدة من هذا الوباء".

انعدام الشفافية

أما رداً على سؤال حول ما يقوله أصدقاؤه الأطباء في تركيا مؤخرًا، فقال: "لقد تحدثت مع العديد من الأطباء. أولًا، كانوا ولا زالوا يشتكون من المعدات – أي معدات الحماية الشخصية – وانعدام الشفافية. فهم على سبيل المثال يقومون بإجراء الفحوص اليوم، وتأتي النتائج بعد أربعة أيام، إلا أنهم يريدون الحصول على النتائج في نفس اليوم. فهم قلقون للغاية بشأن العنف الذي سيتلقونه من أقارب المرضى. وقبيل تفشي الوباء، كانت الجمعية الطبية التركية تخطط لتنظيم اجتماعٍ كبيرٍ للغاية في أنقرة للاحتجاج على العنف ضد الممارسين الطبيين. لكنهم في الوقت الحالي، قلقون من زيادة الوفيات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصاعد العنف".

إلى ذلك، شدد على أن الهاجس الرئيسي للجمعية الطبية التركية يكمن في الشفافية وكيفية إدارة الحكومة التركية لعملية مكافحة الفيروس.

تسونامي قادم.. وتحذير من وضع السجون

كما كرر التحذير من تعامل الحكومة مع الوباء قائلاً: "للأسف لم ترَ الحكومة أمواج التسونامي القادمة إلينا. هنالك تسونامي قادم إلى مدننا".

إلى ذلك، حذر من مسألة تفشي الوباء في السجون، قائلاً: "لدينا ما يقرب من ثلاثمئة ألف شخص في السجن. وكثير منهم تجاوز الستين من عمره، والعديد منهم يعانون من أمراضٍ مزمنة. وبالإضافة إلى ذلك، تعد تركيا واحدة من أكثر الدول التي تسجن الصحافيين والسياسيين والطلاب والمحامين. ولذلك فإن السجون حاليًا مكتظة للغاية، وهناك خطر كبير في أن نرى إصابات بالعدوى، مما قد يتسبب بمقتل الكثير من الناس. وكما رأينا في الأخبار، فإن معدل الإصابة بالعدوى في نيويورك يبلغ ثلاثة أشخاص لكل ألف شخص. والمعدل يبلغ أعلى من ذلك في سجن رايكرز، إذ إنه يبلغ سبعة وعشرين شخصًا مصابًا بالعدوى من كل ألف شخص. ويمكن أن يتسبب ذلك في وفيات هائلة في السجن، لذلك علينا أن ننظر لوضع هؤلاء الأشخاص المساجين أيضًا. نحن بحاجة إلى الإصلاح. وفي تركيا توجد أحاديث عن هذا، لكنهم يستبعدون جميع السجناء السياسيين."

وتابع: "تتحدث الحكومة عن إصلاح نظام السجون بسبب الوباء، وتحرير المساجين، بمعنى إطلاق سراح بعض الأشخاص الذين سرقوا المال أو باعوا قليلًا من المخدرات قريبًا، لكن هذا لن يشمل الصحافيين، ولا أعضاء البرلمان، ولا العُمدة، والمحامين الذين يقبعون في السجون لأسباب سياسية. فوفقًا للدولة التركية، هؤلاء إرهابيون".