لا تخلو أية محنة من دروس كثيرة تستدعي الوقوف عندها والتمعن فيها والاستفادة منها، وهو ما ينطبق أيضا على جائحة كورونا التي وضعت العالم أجمع في حالة استنفار شديد واستعداد للتعامل مع كل السيناريوهات والاحتمالات، وخلقت حالة من التضامن الإنساني والتعاطف المتجاوز للحدود والعصبيات وغير المعترف بالأديان والثقافات، وتكاد تسقط نظريات حاولت خلق صدام بين دول وأخرى على أساس العرق أو الجنس، وتهدم أخرى تدعي التفوق الشامل لدول على غيرها والتحكم في دفة العالم، فإذا بهذا الفيروس المتناهي الصغر يظهر عجزها ويؤكد أنه لا فرق بين دول عظمى وأخرى صغرى وأن الكل سواء في الابتلاء والمعاناة من هذا الوباء الذي أجبر سلطات الكيان الصهيوني على سبيل المثال على اتخاذ إجراءات احترازية وتدابير في مواجهته لدرجة حصار الإسرائيليين كالحصار المفروض على أشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة منذ سنوات عديدة.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية أكدت أن الإسرائيليين باتوا يعيشون وضعا مشابها للفلسطينيين في غزة ويعرفه أطفالهم جيدا، وأن تل أبيب ستتحول بعد أيام معدودة لتشبه “جنين”، وستبدو إسرائيل كقطاع غزة بفعل الإجراءات الصارمة التي تتخذها السلطات للحد من انتشار فيروس كورونا، لتكون الحياة في تل أبيب، تماما كما هي في غزة، ولتشعر إسرائيل بمعاناة الفلسطينيين وتتذوق جزءا ولو بسيطا مما تذيقه للفلسطينيين لسنوات دون رحمة وبلا هوادة.
وإذا كان الفلسطينيون قد اعتادوا هذا الوضع الصعب وتكيفوا في العيش معه وفرضت عليهم التطورات الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة عدم التطلع إلى تغييره بفعل حالة الانشغال الدائم والانكفاء على الذات من قبل غالبية الأشقاء والأصدقاء، فإن الإسرائيليين سيحتاجون وقتًا للتأقلم مع هذا الوضع الجديد.
لكن السؤال هو: هل ستكون هذه الأزمة التي جعلت إسرائيل الآن تتجرع نذرا يسيرا من معاناة كبيرة وأوضاع مؤلمة يعيشها الفلسطينيون منذ سنوات في قطاع غزة، دافعًا لإسرائيل وغيرها للتحرك إنسانيًا للتخفيف من الحصار المفروض على الأشقاء الفلسطينيين لكي تصبح حياتهم طبيعية كغيرهم؟.