أشكر كل من تفاعل مع الجزء الأول من مقال سابق بنفس العنوان، من فنانين ومبدعين، حيث أكدوا أن الوسط الفني، والعمل الدرامي يعاني بالفعل مما ذكرت، كإشكالية واقعية، وهنا بدوري أفرد إشكالية أخرى لعلها من أهم الإشكاليات، كما تبدو جلية للعاملين في المجال الفني، ألا وهي جهات الإنتاج، التي تؤثر بشكل كبير على كميات ونوعيات ما يبث من أعمال خلال الوسائط التعبيرية المختلفة، وهنا تكمن قوة تأثير الآيديولوجيات المحركة لهذه الصناعة، وقد يكون القطاع العام أأمن بكثير من الخاص، بسبب التزام الأول بقوانين معينة وثابتة، والتقيد بمساحات موضعية محددة، بينما القطاع الخاص، فالأهواء والأمزجة تشوب صناعته بنسب أكبر.
حتى إن كانت هناك غربلة نوعية بمقاييس خاصة ذاتية، إلا أن مستويات الوعي والثقافة تحكم هذه العملية، وبالتالي تخلق فارقاً كبيراً بالمقارنة بين ما يقدم، في الوقت الذي ترسم فيه آلة الدراما الجبارة تصوراتها في عقول الأجيال، وتسهم في تشكيل آراء وانطباعات المجتمعات حول مختلف القضايا، وهنا يكمن أصل المشكلة؛ إذ إن النتيجة صور ذهنية، ومعلومات متفاوتة، تغذت بها أذهان الناس، يصعب أن تعاد ترجمتها، أو تصحيحها، إن كانت على خطأ، في وسط الكم الهائل والغزير من الرسائل اليومية التي تنهال على المتلقين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإن عامل جهة الإنتاج الواعية، وقدرتها العالية، ووعيها الكبير، هو الرهان الأقدر على توظيف الدراما بشكلها الصحيح، لتخدم المجتمعات، لا أن تضللها، أو تسهم في انحدارها.