وقاية أم مكافحة أم مواجهة، صحيح أن الوقاية خير من العلاج، لكن على ما يبدو أننا تأخرنا كثيرًا لدرء المخاطر؛ لإبعادها بالحسنى عن ديارنا، بتربية نشئ ذي منعة، وجيل قادر على المقاومة الذاتية من تلقاء نفسه، ويبدو أن زمن الوقاية قد ولى بالنسبة لأجيال نضجت، ولقوافل تحركت، ولحدود تداخلت.
المواجهة أيضًا مازالت مبكرة وإن لم نستبعد ساعة الصفر، ولم نلغِ أنفسنا من دوائر الصدام المباشر، فالجيل الذي لم يذهب حتى اللحظة مع الريح يحتاج للخيار الثالث، ألا وهو المكافحة، أي المقاومة، أي التدريب والتوجيه، استخدام القوى الناعمة، وآليات البواعث الوطنية والإنسانية، الاندماج في المجتمع المتوازن، المتعادل، الموضوعي، والمتصالح مع نفسه.
إعادة توجيه التعليم والإعلام وعمل مؤتمرات وطنية، تجمع منظومة التأثير، والأطراف جميعها، شباب وأكادميين وإعلاميين، ورجال سياسة واقتصاد، ومسئولين.
هنا يمكن أن يكتمل العقد، وتتواصل الحلقات، وإعادة ترتيب الأوراق من داخل المجلد المعتمد، والتوصية بأن يكون الفكر المواجه للفكر الضال هدفًا، وأن يكون القصد من المكافحة المصافحة، والغاية من السلام، التوافق والانسجام.
بلادنا تتعرض لهجمة إلكترونية شرسة، أبشع من حرب النجوم، وأكثر خطورة على العقل الجمعي للأمة، المواجهة سابقة لأوانها، والوقاية فات أوانها، حيث الفضاءات المفتوحة والتكنولوجيا العابرة للمجرات، والتقنية المخترقة للنفوس قبل الحدود، وللموروث قبل المستقبل، وللتاريخ قبل المتبقي من أطلال هذا الزمان.
إن الفكر الضال غالبًا ما يتسلل إلى مجتمعاتنا متخفيًا في إسوة حسنة، أو رافعًا شعارًا إنسانيًا براقًا، أو لافتة دينية محل جدل، وغالبًا ما يتخلل حياتنا العادية، ربما في مأكلنا وملبسنا ومشربنا، ومختلف تفاصيل أيامنا والمتعثر من خطواتنا والمتشابه مع عادات الآخرين.
إن الفكر الضال يحتاج دائمًا لتعريف، هل هو السلوك المنحرف عن ثوابت اعتادت عليها جموع الشعب في مكان وزمن محدد؟ أم إنه الخلية الصامتة التي تنام طويلًا وتسكن تحت جلودنا ثم تصحو فجأةً وتنفض عن نفسها غبار السنين وتبدأ فورًا في التكشير عن أنيابها، والاعتداء على سلام الآخر وقناعاته؟
هل هو هذا أو ذاك أم إنه التغييب المبرمج لعقول تائهة، ولأجيال لا أمل لها في المستقبل، ولا هدف لها من الحياة؟، هل هي العتمة بمفهومها المظهري الشكلي الرومانسي البديع؟ أم إنها الضلال الذي يشجع على الاستسلام للخرافة، والاستبسال في سبيل الدفاع عنها، والانصياع لأوامرها وبدعها، ومن ثم الدفاع عنها بكل ما يملكه المرتكب للفكر الظلامي من حماقات وانحرافات وانكسارات.
ربما يكون الفكر الضال جزءًا لا يتجزأ من هذه الأوصاف والمظاهر، وربما يكون محل دراسة وتحليل من مفكرين أكثر تجربة واستنارة، ومتطوعين أكثر وطنية وإنسانية وشفافية ومهارة، في جميع الأحوال، هو فكر مرفوض مسبقًا من المجتمعات المتقدمة، ودخيل بكل تأكيد على أمم مازالت تعيد ترتيب بيوتها من الداخل.