من حقنا أن نتوقف ولو قليلا عند هذا التزامن الذي حدث بين ما نشرته وسائل إعلام أميركية وفي صدارتها صحيفة نيويورك تايمز من وثائق بشأن هيمنة إيران على العراق واختراقها كل مفاصل الدولة وبين ما يحدث من حراك شعبي في كل من العراق ولبنان وما يحدث من احتجاجات ومظاهرات في إيران، فهل هذه التسريبات جاءت لتضفي مزيدا من الضغط على حكومات هذه الدول ودعم شعوبها في الحراك، أم أنها لتخفيف الضغط عليها من خلال إثارة هذه القضية كونها جاذبة ومستقطبة للتحليلات والنقاشات البحثية والإعلامية والسياسية ومن ثم إبعاد الأنظار عن الأحداث الرئيسية في الدول الثلاث ولو لفترة زمنية تمكن سلطاتها من إحكام القبضة والسيطرة على الأمور مرة أخرى بعيدا عن الرقابة الإعلامية وقوة الرأي العام الدولي.
فالوثائق وهي جزء من أرشيف وزارة الاستخبارات الإيرانية السرية تم تسريبها تقع في أكثر من 700 صفحة وتمت كتابتها بين عامي 2014 و2015 لم تأت بجديد، بل تعكس واقعا مرئيا منذ سنوات يؤكد النفوذ الإيراني في العراق وهو النفوذ الذي يتزايد يوما بعد يوم ودفع الشعب العراقي إلى الانتفاضة والتمرد عليه رغبة في التخلص منه والتمتع بخيرات البلد التي نهبت والعمل بحرية واستقلالية بمؤسسات دولتهم التي تم اختراقها وتحويلها لأجهزة تابعة لإيران، وكي يتاح لهم اختيار مسؤولين عنهم يعملون لمصالحهم ولا يكونون مجرد متلقين للأوامر الإيرانية، وجاء هذا الحراك دون انتظار أو حاجة لتسريبات أو تأكيدات من هنا وهناك، كما كان الحال مع الشعب اللبناني نفسه.
كما أنه يمكن النظر إلى هذه الوثائق كدليل على نجاح إيران في تحقيق أهدافها في العراق بسياسات وخطوات مدروسة بعناية منذ غزو العراق 2003، وتفوقت بها على الولايات المتحدة الأميركية واستطاعت بسط نفوذها داخل العراق والتحكم في الدولة، وإذا لم تمثل صدمة للسلطات والمسؤولين العراقيين تدفعهم لإعادة النظر في سياساتهم ومواقفهم، فإنه يجب الانتباه والحذر من التركيز على هذه الوثائق غير الجديدة في مضمونها وإهمال القضية الرئيسية وهي الوقوف بجانب الشعوب العراقية واللبنانية والإيرانية.