أسوق هنا مثالًا آخر على النجاح في الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص، هذه المرة في بلادنا البحرين. فكلنا يذكر شركة الاتصالات (كيبل ويليس) كما كنا نطلق عليها محليًا، وكيف كان مستوى الخدمة ومقدار التكلفة لاستخدام وسائل الاتصالات في البحرين في الماضي ولغاية تحرير السوق قبل قرابة 15 عاما.
فقد تمتعت شركة بتلكو (الحكومية في حينه) بامتيازات حصرية في تقديم خدمات الاتصالات في السوق البحرينية، فكانت النتيجة تتمثل في خدمة لا ترقى إلى مستوى الطموح وأسعار باهظة نظير توفير تلك الخدمات، وكان لسان حال مسؤولي الشركة ينطق بلسان هارون الرشيد، فيقولون للعملاء “يا سحابة، أمطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني”. ولكن بعد تحرير سوق الاتصالات وبدء المنافسة الحقيقية تغيرت المعادلة بالكامل، وقامت شركات تقديم خدمات الاتصالات بالاستثمار في التقنية بشكل واسع، ونتج عن ذلك قطاع اتصالات متقدم جدًا وخدمة راقية للمقيم والزائر.
ولكن على النقيض من ذلك، الممارسات السلبية في علاقة القطاعين في الدول المتخلفة، لا سيما دول العالم الثالث المتناثرة في مختلف أصقاع الأرض، يلفها الفساد والممارسات غير الرشيدة فتكون نهايتها مأساوية على الاقتصاد وعلى مستقبل الحكومات وعلى حياة الناس في نهاية المطاف.
ففي كثير من الدول المتخلفة، خصوصًا في أعقاب الانقلابات واستبدال أنظمة الحكم الفاسدة بأنظمة أخرى أكثر فسادًا وغباءً، تبدأ حملات واسعة من التأميم بحيث تستولي الحكومة (في النظام الحاكم الجديد) على الشركات والمصانع والمزارع والأسواق وتبدأ بإدارتها وقيادتها نحو الانهيار. فيبدأ مسلسل لا ينتهي من خيبات الأمل المتلاحقة. حيث يجد وزير الصناعة نفسه رئيسًا لمجلس إدارة نحو 50 مصنعا لا يكاد يعلم عنها أي شيء تقريبًا، بل تنتهي مدة تكليفه بالوزارة وهو لم يزر مواقع معظمها. ويتفاقم الأمر عندما يجد وزير الزراعة نفسه مسؤولا عن إدارة عدد كبير من الشركات التي تملك مزارع وحقول خصبة منتشرة بطول البلاد وعرضها تنتج قائمة لا تنتهي من المحاصيل، فيصبح هو الخصم والحكم، فهو من يصدر القوانين التي تنظم المهنة وهو من يطبق تلك القوانين باعتباره المالك الجديد لتلك المزارع. وفي مثل تلك الحالات، تسمع وترى قصص مخزية من الفساد والتنفيع وممارسات تنبئ بقلة النضج وانعدام الإحساس بالمسؤولية من قبل القائمين على تلك المشاريع، فتجد الحكومات نفسها أمام خيارات عدة أحلاها شديد المرارة.
وتبدأ عملية استنزاف ميزانيات الدول في مشاريع عقيمة ومسلسلات لا تنتهي من العوائق الفنية والقانونية.
فالحكومات يجب عليها الامتناع عن ممارسة الأنشطة التي يبرع بها القطاع الخاص من زراعة القمح وصناعة الخبز أو تنفيذ مشاريع الإنشاءات أو الصناعة أو تقديم الخدمات المعقدة مثل التمويل والتجارة الدولية، فرحم الله امرئ عرف قدر نفسه فوقف عنده.