العدد 4050
السبت 16 نوفمبر 2019
الفرد والمجتمع بين إرهاب الجماعات والتيارات (3-3)
السبت 16 نوفمبر 2019

الجانب الأخطر، وأكرّر أن الأخطر يكمن في أن كل تلك الموبقات والمصائب والبلاء يحدث تحت عناوين الدين والإيمان وتقديس معتقد أو فكرة ما، وإجراء عملية “غسيل أدمغة” للأتباع والمريدين والمؤيدين بأسلوب لا يمكن الاستهانة به أبدًا لأن هندسته تتم على أيدي أناس من المنظرين القادرين على العبث في عقول الناس من البسطاء الذين يمكن السيطرة عليهم واستغلالهم من بوابة “الدين والصلاح والعبادة والتقوى”، وأحيانًا من مختلف المستويات والطبقات.

وفي الحقيقة، فإن الكثير من الدعاة والوعاظ والكتاب وخطباء المنبر من المعتدلين ذوي الفكر الوسطي، من مختلف الدول العربية والإسلامية، وكذلك العديد من الباحثين والكتاب تناولوا بالشرح والتوعية والتوجيه والتحذير من خطر ما يسمونه بالجماعات “المؤدلجة” وركّزوا على توعية الشباب وتحصينهم من تبني الأفكار المنحرفة، وبالطبع، فإن للأسرة دورها المهم وللمدرسة وللجامعة وللمؤسسة الدينية لكن إذا ما كانت هذه القضية تقع موقعًا “غير مهم” بالنسبة للكثيرين، ولا يرون أهمية في توعية الآباء والأمهات أولًا، ففي ذلك مدعاة لتوقع المزيد من الممارسات المرفوضة، فإذا كان الكثير من أولياء الأمور معرضين هم أنفسهم لهذا الغسيل فما بالك بالأبناء، الذين يحتاجون إلى فهم وإدراك ونقل تجربة ونصيحة وإرشاد يسهم في حمايتهم.

يقول البعض إن مثل هذه الممارسات غير موجودة في المجتمع البحريني، ويقول آخر إنها موجودة ولكن في إطار سري، فيما يرى البعض أن كل أصحاب الفكر والطائفي والمذهبي وذوي التشدد الديني يمثلون هذا الاتجاه، إلا أنه في كل الحالات فإن من الضرورة والأهمية أن يتم توعية المجتمع بكل فئاته ولا سيما فئة الناشئة والشباب بمخاطر الوقوع في شرك الجماعات ذات الأجندات الخاصة.

وقد يقول قائل إن هناك مبالغة في التحذير من تلك الجماعات، لكن بالمنطق، فإنها بالفعل خطيرة ومدمرة حتى وإن كانت محدودة أو في إطار سري أو ضيق لأنها عندما تقوى وتنتشر وتجرف معها الكثير من الناس، فهي بذلك ستكون بؤرة لنشر أفكار دخيلة لا يقبلها المجتمع البحريني خصوصًا وأننا نعيش في زمن تتعرّض فيه المجتمعات لرياح وهجمات تحرمها الاستقرار والعيش الآمن، وأن من واجب الدولة ومؤسساتها وكذلك منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية المعتدلة والأهلية المجتمعية أن تضع في اعتبارها الخطر الذي يمكن أن يمثله هذا “الفكر المختل” من تأثير يصل إلى هدم استقرار الأسرة، ويحرم الكثيرين من أن يعيشوا حياة طبيعية كونهم رهنوا أنفسهم لجماعة أو تيار يلعب بهم كما يشاء، فلا يمكن إطلاقًا السماح بمن يستغل معتقدًا دينيًّا أو فكريًّا أو يتبنى أفكارًا متشددة ومتطرفة حسب أهوائه وما يشتهي لكي يعبث بأمن واستقرار الفرد والمجتمع.

بعد هذه السلسلة، فإن الخلاصة التي نكرّر عليها هي أننا كلنا مسئولون عن حماية مجتمعنا من الأفكار الهدّامة، ومن أولئك الذين يستغلون الدين في الإضرار بالمجتمع، وبالتالي، يعرّضون أمن واستقرار الوطن لخطر داهم، والله من وراء القصد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية