العدد 3865
الأربعاء 15 مايو 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
عظيم المجد وزنزانة العشق (13)
الأربعاء 15 مايو 2019

إنه بارد كقالب ثلج، ذاك كان هو الدفء، ذاك هو الحب الميت في يوم جنازته، ووأده في مقبرة النسيان. تقول الممثلة الفرنسية المغدورة من خنجر الحب، رومي شنيدر بعد أن تركها حبيبها آلان ديلون ((لا أبرد من حب مات)). نعم، ما أجمل أن يتحول العشق إلى قطعة رخام، وضريح بلا زوار، تكرهه القرابين، وتبتعد عنه كل نذورات الخائبين في طريق الحب والمنكسرين. لو وقف الفيلسوف نيتشه مع نفسه في جلسة حساب نقدية كما يمارس النقد في الفلسفة، متسائلا ولو مرة واحد، هل تستحق الفتاة الفنلندية واللعوب سالومي أن تنحني العبقرية ذاتها (أعني نيتشه) لتقبل رجلها من أجل الحب؟ لا تستحق. لا تهينوا مجدكم بكسره على عتبة فتاة أو حرق مجد سعادتكم على مال أو وجاهة اجتماعية. مشكلة كثير من عظماء المجد لا يعرفون كيف يعيشون، وإن تضخمت ثقافتهم أو أموالهم أو مناصبهم. فن إدارة السعادة هي الأخرى تحتاج حكمة سعادة، لا وحوش مال. إنها تحتاج إلى قناصين في كيفية اقتناص الجمال. يعجبني أبو العلاء المعري كفيلسوف وشاعر، لكني أجده لا يعرف كيف يعيش ..((كان زاهدا في الدنيا، معرضا عن لذاتها لا يأكل لحم الحيوان، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. ولم يتزوج المعري، بل إن شؤمه تعدى ذلك إلى أن أوصى أن يكتب على قبره هذا البيت:
“هذا جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد”. الجمال أن تعيش الدنيا وضميرك أخروي، فما المانع؟ شوبنهار كان يعتقد أن أمه وراء موت أبيه، فحقد على المرأة، فرأى أن الزواج وكل العلاقات هي تواصل مع الجحيم، وأنك في نهاية المطاف ستبقى مكسورا، فعش الحرية مع ذاتك. هكذا كان رأيه. كان سيوران وهو الكاره لاي ارتباط يقول:
أطفالي الذين لم أنجبهم كم سيشكرونني على ذلك؟ أنا من دعاة زواج الحب لا حب الزواج، و السعادة يمكن تحقيقها حتى منفردا، ولو كل العالم تنصلوا منك تستطيع عقد علاقة مع الظل أو الطبيعة أو جمال الحياة. أقول للواقفين في طوابير انتظار الحب، لا تتعبوا رُكبكم، فلا أحد يستحق الانتظار، وأقول للحالمين في موسم الحب، كلهم في البدايات رائعون، وانتظروا جحيم النهاية. طبعا أعني من الحب هنا العشق المرضي. قال فيكتور هوغو: “يمضي نصف حياتنا في انتظار حب حقيقي، ويمضي النصف الآخر في فراق من أحببناهم”. إن قصص التعلق في الحب قصص قاتله، لكن مازلت أدعو لعدم الاستسلام، فبإمكانكم أن ترسموا خريطة الخروج من الزنزانة حتى على أجسامكم كما فعل بطل مسلسل برزين بريك الشهير. هل يستحق العظيم موسيه أن ينتظر حبيبته اللعوب حتى الفجر بعد أن تنتهي من سهراتها؛ لكي تتصدق عليه بصدقة عاطفية، وأن تلقى عليه قشور بطيخ الحفلة بعد اننتهائها؟ أحيانا القدر يقتل الحب وأحيانا غدر الناس. فإن الذي قتل حبيبة ملك فرنسا لويس الرابع عشر بالسم هو اليد اليمنى للويس، صديقه المقرب، وثقته، حيث جند خادمة تدس سما لها في الكأس، فماتت غدرا. أقول: إذا أحببتم شيئا، فلا تجعلوه محور الحياة، فحتى لو توفقت لزواج جاء عن حب قد يموت في ليلة حفلة العرس. أيها العشاق المساكين، لا ضمان على القلوب ولا شركات تأمين على أضلاعكم وقلوبكم. فالموسيقار الفرنسي “بيرليوز” كان يعيش عاشقا كالمجنون لهارييت سيمثون التي لاحقها كثيرا، وحين تزوّجها خبا تماما حبه لها وانتهى زواجه بانكسارات وخيبة كبيرة. وفي الحب الالتصاق الطويل يورث الملل يقول نزار قباني:
((أسألك الرحيلا
لنفترق أحبابا..
فالطير في كل موسمٍ..
تفارق الهضابا..
والشمس يا حبيبي..
تكون أحلى عندما تحاول الغيابا. وكي أكون دائما جميلة
وكي تكون أكثر اقترابا
أسألك الذهابا..)).
يا عظماء المجد، اكسروا القيود، اخرجوا العشق من غرفة النوم من فندق قلوبكم واجعلوه ناطورا. اكسروا منصة التتويج، فالبشر لا يستحقون العشق، فالعشق رحلة عذاب بيد سجان سادي. يقول قيس بن الملوح متألما: ألا ليت أن الحب يعشق مرة فيعرف ماذا كان بالناس يصنع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية