العدد 3761
الخميس 31 يناير 2019
banner
ثقافة السماوات الشحيحة
الخميس 31 يناير 2019

أستعير من نفسي هذا العنوان الذي عنونت به ورقتي التي كتبتها قبل حوالي سنتين لمؤسسة الفكر العربي عن أوضاع الثقافة في البحرين، والحقيقة، وإن كانت تلك الورقة قد ركزت على البحرين كما طلب من صاحبها، فإن الأمر يمتد طولاً وعرضاً في أرجاء وطننا العربي.

كُتب على الثقافة التحليق في سماوات شحيحة، قليلة الأكسجين، كثيرة الأخاديد، حادّة النصال، معتمة المرايا، قديمة الإهمال... كُتب عليها أن تكون يتيمة على موائد من لا يحفل لها، ولا يشعر بها، لم يتشربها، لم تسْرِ في ثناياه، لم ينطو يوماً على كتاب، ولا كابد إبداعاً... كتب عليها أن يواجه شذاها صرامة الأرقام، وحدَّة المساطر، وبرودة السيّاف الذي لا يتورّع عن القيام بمهمته وفي يقينه أنه يؤدي خدمات جليلة للأمة، وهو صادق، لأن قناته ما لانت لشطحات دلّها “الإبداع الذي يقف حيث لا ينتظره الآخرون”، فيلقي في بحيرة الحياة الخاملة ما ليس متوقعاً من ألوان، وتملأ حقول الحزامى صحارى النفس لكلمة مبدعة، أو موتيفة لحن بارعة!

في الصحف، ما إن تزيد مساحات الإعلان، أو “تطيش” الأخبار، حتى يُضحى، أول ما يضحى به: صفحات الثقافة، وإذا اتخذت المحطات التلفزيونية قراراً بالتجديد: ألغيت برامج الثقافة، وإذا ما مرّت بلاد بضائقة: تساءلوا أين بند الثقافة؟ وفي الدول العالمثالثية يوزّر أو “يُسأل” المثقف لينقلب على مثقفي هذه الدول، لتدور بينهم “حرب الورود”، ويتناسى أنصاف الكتبة “القوة الناعمة” للثقافة وما يمكنها فعله.

 

في الكويت، عندما روجعت الموازنات قبل سنتين وتوقف النقاش عن مجلة “العربي” هل تستمر أم تلغى نظراً لكلفتها، وقف مسؤول كويتي مستذكراً ومكرراً العبارة التي أطلقها أمير الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد، عندما كان مسؤولاً عن إصدار هذه المجلة، إذ قال حينما رآها تظهر إلى النور قولته الشهيرة: “مجلة العربي هدية الكويت للعرب”، فما أحوجنا للإكثار من هذا النوع من المسؤولين ناثري هذه الهدايا، بدلاً من ناشري الأراضي السبخات البور.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية