+A
A-

أي جيل كوميدي برع اكثر "شريدة والبوعينين" أم "الغرير ورشدان"

هل نستطيع ان نقول ان الجمهور البحريني قد تشبع بنوع معين وصورة معينة من الكوميديا التي قدمها جيل الرواد من أمثال الفنانين سعد البوعينين وإبراهيم البنكي والراحل جاسم شريدة وغيرهم ، الذين تخرجوا من مدارس فنية تقليدية جادة ورفيعة وكانوا العنصر الأساسي والأول في تكوين المسرح الكوميدي ، واتجه اليوم – أي الجمهور- إلى الجوانب الفكرية والفنية التي يقدمها الفنانين الشباب الذين برزوا في الكوميديا من أمثال علي الغرير وسامي رشدان وخليل الرميثي وعبدالله سويد واحمد مبارك وأمين الصايغ واحمد مجلي وغيرهم ؟

ليس من الإنصاف ان نقول ان تاريخ الكوميديا في البحرين لم يشهد أي محاولة من الشد والجذب والخروج بأجواء جديدة وبمواقف مختلفة، فالجيل الأول كان يتصور انه جيل بعيد عن المرض او الخطأ والانحراف ويستحيل ان يقدم الهبوط او الإسفاف ولعلي هنا استذكر مقولة للفنان الراحل جاسم شريدة في إحدى اللقاءات وهي" نحن من وضع قواعد وقوانين الكوميديا في المسرح البحريني"..ومن هنا يظهر لنا حقيقة الصراع على الريادة في إضحاك الجمهور والتمسك بفنون الضحك وقوته السحرية ، كما هناك مقولة شائعة نسمعها كثيرا وهي ان مسرحية "البراحة" التي كتبها عقيل سوار وأخرجها عبدالله يوسف في الثمانينات تعد من أفضل الأعمال الكوميدية على مر تاريخ المسرح ، وليس هناك في الأفق ما يوحي بتقديم مسرحية مماثلة ، وأنا شخصيا اعترض بشدة على هذه المقولة كما اعترض الكثير من النقاد والكتاب على لقب " أمير الشعراء" لأحمد شوقي، حيث يرون ان هناك العديد من الشعراء الذين يفوقون شوقي في البلاغة والقوة ونظم القصائد ، والمتأمل الجاد يرى ان اللقب لا يستحقه .

أعود إلى جذور الموضوع وهو ...ما الفرق بين كوميديا الجيل رقم 1 وكوميديا جيل علي الغرير واحمد مبارك والرميثي؟ وأين موقع الجمهور والمشاهد البحريني من المحطتين ؟ أولا لابد ان نعرف اننا نشهد اليوم ظاهرة اضمحلال الكوميديا في المسرح والحرفة والمهارة تقل تدريجيا وهذا بسبب اتجاه معظم الفنانين الى الأعمال الدرامية التلفزيونية بحثا عن الشهرة والمال ، وهناك فرق بين الضحك العميق الصادر من القلب والضحك الطفولي الذي يشغل هموم الناس ويعيد للإنسان ثقته الذاتية وثقته في الناس والحياة ، وهذا الذي نراه في بعض المسرحيات التجارية التي تقدم في المناسبات ، فهي وان كانت ذات محتوى ضعيف إلا انها مسرحيات مضحكة للغاية ..ويمكن ان نسميها مسرحيات الضحك الصادر من روح المواطن وقدرته الأصيلة على مواجهة الأسى والهموم والهزيمة والانتكاسات مواجهة مباشرة بالنوادر والحكايات ، فحين حين تكون النكتة صورة حية من صور النضال ومصدر الضحك هو التناقض الكامن في كل شيء وعلى الأصح تفجر المتناقضات داخل النفس او داخل الحياة ، فليس ثمة ما يضحك أكثر من مواجهة المتناقضات بين نواحي الحياة اليومية المختلفة ، او بين الأقوال والأفعال ، او بين الألفاظ ومعانيها الحقيقية .

الجيل الأول قدم هيكل الأسلوب الكوميدي ثوريا متحركا يميز الشخصيات الكوميدية بالمتفرج نفسه ، وهذا يمكن ملاحظته في الأدوار التي يقدمها الفنان إبراهيم البنكي او الفنان سعد البوعينين ، اما على الغرير على سبيل المثال او سامي رشدان فهما يجعلان المشاهدين جزءا لا يتجزأ من الحدث الكوميدي ، وهنا يكمن الفرق . البنكي والبوعينين يقدمان كوميديا " برناردشو " أي الضحك المنغلق المنفصل عن الناس وعن الحياة ، أما علي  الغرير ورشدان لا يتركان المتفرج حرا يجلس ويسرق الوقت في أكل " الحب" والتثاؤب والتململ .

الجيل الأول بالرغم من انه له طابعه الخاص إلا انه وحسب رأيي الشخصي لم ينبغ في مضمار المسرح الكوميدي باستثناء اسم او اسمين فقط ومنهم الفنان القدير سعد البوعينين الرائد الأول في مضمار الفكاهة في الساحة الفنية البحرينية ، اما الجيل الثاني والذي أطلق عليه جيل الغرير ورشدان واحمد مبارك فقد برع في المواقف الكوميدية وبهجتها ونكهتها وبالتالي فأنها قد نالت رضي الجمهور الذي اقتنع بنقاء الفكاهة وصفائها ، ومهما يكن من شيء فإن من المؤكد ان للجيلين حق اللجوء إلى شتى الأساليب المشروعة وغير المشروعة من اجل الوصول إلى غايته والحكم الأخير للمشاهد والجمهور .