لا أعرف ولكنني أشعر أن الأديب الخليجي يعيش ظاهرة الثقافة الانعزالية، وهي حكاية طويلة ومتعددة الجوانب ومهما حاولنا تلطيف الموضوع إلا أنه في النهاية علينا الاعتراف بأن الثقافة الانعزالية خطيرة جدا وتقضي على كل شيء وتقدم لنا صورة غامضة كالحلم أو الأمنية البعيدة، كتب لي أحد الأصدقاء المعتقين وهو صاحب دواوين شعرية كثيرة، الأسطر التالية، وأراد مني نشرها (لكل أمة اليوم نوع من الثقافة والنشاط الفكري، وقد يكون هذا النشاط قويا أو ضعيفا أو متوسطا، وفي دول الخليج كغيرنا من البلدان، هناك نشاط ثقافي مضطرد ومستمر وغير متوقف، لكن إذا ما قارناه بالنشاط القوي في بلدان أخرى فهو لا يوازي في قيمته العلمية والحضارية ما بلدان أوروبا، لكن ليس معنى ذلك أنه ليس أحسن مما في بعض البلدان العربية والآسيوية، وتظهر قيمة الأثر الحضاري والثقافي في فرض نفسه على الأمم الأخرى بالترجمة والنقل والاقتباس والانتباه إليه أو التنويه عنه.. وإذا فتشنا هنا عن أثرنا نحن أدباء الخليج في الفكر الأوروبي لا نجد لأنفسنا أثرا، ولا نتحدث عن النماذج النادرة الذين اهتم بهم بعض كتاب الغرب لأسباب ما أو لمجرد البحث عن موضوع غريب لرسالة دكتوراه يكتبها أوروبي، فنحن وأعني أدباء الخليج لم نقدم شيئا مما يمكن أن يوصف بالنجاح، أو يعتبر إضافة للفكر الإنساني والحضارة البشرية بمعنى الكلمة، إن ما عندنا ليس من العقم الفكري بقدر ما هو تشويه المولود بواسطة تناول حبوب ذات وصفات فكرية، وإجبار فكر كل حامل على ابتلاعها، وإلا كان المصير عدم المساعدة والتشجيع، وذلك يؤدي في الأخير إلى إجهاض الفكر الجيد ومساعدة الفكر الضعيف).
ما نتفق عليه أنا والصديق، أن المتتبع لحركة التأليف في دول الخليج يلاحظ قلة العمق، وعدم رواج الكتب رواجا كبيرا يدل على الزعامة التقليدية للأديب والمثقف الخليجي، قصص كثيرة وروايات ودواوين شعر، وكتب نقد، ولكن مع الأسف كلها أشبه بعينين جميلتين لامراة بلا جسد، فحركة الأديب الخليجي قصيرة المدى وليس لها أي تأثير يذكر في المجتمع، وكأنه يعيش الانكسار وسكرات الموت.