العدد 3516
الخميس 31 مايو 2018
banner
المؤامرة مستمرة
الخميس 31 مايو 2018

وصف محللون ما يحدث للاقتصاد التركي من تراجع لعملته بأنه “مؤامرة خارجية” تحاك ضد البلد الذي فاجأ العالم بتقدمه الاقتصادي، وهنا يقع الخلاف في وجهات النظر ما إذا كان هذا التقدم مبنيا على قواعد وأسس راسخة، أم كان فقاعة، إلا أن هذا كله ليس بيت القصيد، ولكن البيت يقع في استخدام مصطلح “المؤامرة” في كل شاردة وواردة من حياتنا.

في حقيقة الأمر إن المؤامرة ليست شيئاجديدا ومثيرا ليجري الحديث عنه وكأنه اكتشاف لملفات سرية، وأمور غير معلومة، فكل الدول، من أقصاها إلى أقصاها، تتآمر على الدول الأخرى، وربما أكثرها تآمراً تلك التي تبالغ في القول إنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، فأقلّ أنواع التدخل يمكن أن يكون في ما يسمى بـ “التجسس الناعم”، حيث تجمع الدول المعلومات والمتغيرات عن الدول المحيطة بها خصوصاً، حتى إن كانت من الدول الصديقة، والشقيقة، والحليفة، وذلك من أجل بناء المواقف المستقبلية من هذه الدول ومن التحالف معها بحسب ما يستجد من معلومات، وصولاً إلى النوع الأعمق من التدخل والتآمر وهو السعي وراء “التجسس العميق” الذي يفكك أسرار الدولة ويجعلها كتاباً مفضوحاً ومفتوحاً أمام الدولة الساعية لذلك، وعلى الرغم مما تبدو عليه طريقتا التجسس بخلوّهما من الأخلاقيات والنزاهة، فإنه من السذاجة الظن بأن السياسة نزاهة ولعب نظيف يخلو من الدهاليز، فما يُلعب تحت الطاولات أضعاف ما يُلعب فوقها.

أتيت بهذا المثل الاقتصادي كواحد من الأمثلة الفاقعة في التباكي المبالغ فيه إزاء الفشل، وليس كل الكلمات والمفردات والتعبيرات المرادفة لهذه الكلمة، التي تشير إلى وجود خلل ما في منظومة ما مع العجز عن حله أو التنبّه إليه في الوقت المناسب، حتى نخر في هذا القطاع أو الجهاز أو المنظومة لتنهار، فتجري الإشارة بإصبع الاتهام إلى “المؤامرة” التي تسببت في الخلل، فملفات حقوق الإنسان سيئة السمعة تعني مؤامرة، ووقوف دول معينة على قمة الدول الأكثر فساداً في العالم بسبب المؤامرة، واحتلالها مراتب متأخرة في التنمية البشرية أمر يشير إلى المؤامرة، وعلى ذلك يمكننا قياس الكثير من التبريرات التي تدل على الخيبة والموقف الدفاعي الفاشل تجاه الملفات.

ما يدعو إلى الاستغراب، أنه على الرغم من سذاجة طرح “المؤامرات” التي تعمل على شدنا إلى الأسفل؛ فإن هناك شريحة واسعة من الجماهير التي لا تزال تصدق قول الذين استضعفوا: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: 31]، فلولا أننا ابتلينا بالمؤامرات لكنّا في مقدمة دول العالم!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .